لهم: فهل لكم برسولي علم؟ قالوا: ومن رسولك؟ قال: قيس بن مسهر الصيداوي. قالوا: نعم أخذه الحصين بن نمير فبعث به إلى ابن زياد فأمره ابن زياد أن يلعنك ويلعن أباك، فصلى عليك وعلى أبيك ولعن بن زياد وأباه، ودعا الناس إلى نصرتك وأخبرهم بقدومك فأمر به فألقى من رأس القصر فمات، فترقرقت عينا الحسين، وقرأ قوله تعالى ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ﴾ الآية ثم قال: اللهمّ اجعل منازلهم الجنة نزلا، واجمع بيننا وبينهم في مستقر من رحمتك، ورغائب مدخور ثوابك. ثم إن الطرماح بن عدي قال للحسين: انظر فما معك؟ لا أرى معك أحدا إلا هذه الشرذمة اليسيرة، وإني لأرى هؤلاء القوم الذين يسايرونك أكفاء لمن معك، فكيف وظاهر الكوفة مملوء بالخيول والجيوش يعرضون ليقصدونك، فأنشدك الله، إن قدرت أن لا تتقدم إليهم شبرا فافعل، فان أردت أن تنزل بلدا يمنعك الله به من ملوك غسان وحمير، ومن النعمان بن المنذر، ومن الأسود والأحمر، والله إن دخل علينا ذل قط فأسير معك حتى أنزلك القرية، ثم تبعث إلى الرجال من باجا وسلمى من طيِّئ، ثم أقم معنا ما بدا لك، فأنا زعيم بعشرة آلاف طائى يضربون بين يديك بأسيافهم، والله لا يوصل إليك أبدا ومنهم عين تطرف. فقال له الحسين: جزاك الله خيرا، فلم يرجع عما هو بصدده، فودعه الطرماح، ومضى الحسين، فلما كان من الليل أمر فتيانه أن يستقوا من الماء كفايتهم، ثم سرى فنعس في مسيره حتى خفق برأسه، واستيقظ وهو يقول: ﴿إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ،﴾ والحمد لله رب العالمين. ثم قال: رأيت فارسا على فرس وهو يقول: القوم يسيرون والمنايا تسرى إليهم، فعلمت أنها أنفسنا نعيت إلينا، فلما طلع الفجر صلى بأصحابه وعجل الركوب ثم تياسر في مسيره حتى انتهى إلى نينوى، فإذا راكب متنكب قوسا قد قدم من الكوفة، فسلم على الحر بن يزيد ولم يسلم على الحسين، ودفع إلى الحر كتابا من ابن زياد ومضمونه أن يعدل بالحسين في السير إلى العراق في غير قرية ولا حصن، حتى تأتيه رسله وجنوده، وذلك يوم الخميس الثاني من المحرم سنة إحدى وستين، فلما كان من الغد قدم عمر بن سعد بن أبى وقاص في أربعة آلاف، وكان قد جهّزه ابن زياد في هؤلاء إلى الديلم، وخيم بظاهر الكوفة، فلما قدم عليهم أمر الحسين قال له: سر إليه، فإذا فرغت منه فسر إلى الديلم، فاستعفاه عمر بن سعد من ذلك. فقال: له ابن زياد. إن شئت عفيتك وعزلتك عن ولاية هذه البلاد التي قد استنبتك عليها، فقال: حتى انظر في أمرى، فجعل لا يستشير أحدا إلا نهاه عن المسير إلى الحسين، حتى قال له ابن أخته حمزة بن المغيرة بن شعبة: إياك أن تسير إلى الحسين فتعصى ربك وتقطع رحمك، فو الله لأن تخرج من سلطان الأرض كلها أحب إليك من أن تلقى الله بدم الحسين، فقال: إني أفعل إن شاء الله تعالى. ثم إن عبيد الله بن زياد تهدده وتوعده بالعزل والقتل، فسار إلى الحسين فنازله في المكان الّذي ذكرنا،