كتب إلى أهل الكوفة أن أقدم عليهم، فاذ قد كرهوني فأنا راجع إلى مكة وأذركم. فلما بلغ عمر بن سعد هذا قال: أرجو أن يعافيني الله من حربه، وكتب إلى ابن زياد بذلك، فرد عليه ابن زياد:
أن حل بينهم وبين الماء كما فعل بالتقى الزكي المظلوم أمير المؤمنين عثمان بن عفان، واعرض على الحسين أن يبايع هو ومن معه لأمير المؤمنين يزيد بن معاوية، فإذا فعلوا ذلك رأينا رأينا، وجعل أصحاب عمر بن سعد يمنعون أصحاب الحسين من الماء، وعلى سرية منهم عمرو بن الحجاج، فدعا عليهم بالعطش فمات هذا الرجل من شدة العطش. ثم إن الحسين طلب من عمر بن سعد أن يجتمع به بين العسكرين، فجاء كل واحد منهما في نحو من عشرين فارسا، فتكلما طويلا حتى ذهب هزيع من الليل، ولم يدر أحد ما قالا، ولكن ظن بعض الناس أنه سأله أن يذهب معه إلى يزيد بن معاوية إلى الشام ويتركا العسكرين متواقفين،
فقال عمر إذاً يهدم ابن زياد داري، فقال الحسين: أنا أبنيها لك أحسن مما كانت، قال: إذا يأخذ ضياعي، قال أنا أعطيك خيرا منها من مالي بالحجاز، قال: فتكره عمر بن سعد من ذلك. وقال بعضهم: بل سأل منه إما أن يذهبا إلى يزيد، أو يتركه يرجع إلى الحجاز أو يذهب إلى بعض الثغور فيقاتل الترك، فكتب عمر إلى عبيد الله بذلك، فقال: نعم! قد قبلت، فقام الشمر بن ذي الجوشن فقال: لا والله حتى ينزل على حكمك هو وأصحابه، ثم قال: والله لقد بلغني أن حسينا وابن سعد يجلسان بين العسكرين فيتحدثان عامة الليل، فقال له ابن زياد: فنعم ما رأيت.
وقد روى أبو مخنف: حدثني عبد الرحمن بن جندب عن عقبة بن سمعان. قال: لقد صحبت الحسين من مكة إلى حين قتل، والله ما من كلمة قالها في موطن إلا وقد سمعتها، وإنه لم يسأل أن يذهب إلى يزيد فيضع يده إلى يده، ولا أن يذهب إلى ثغر من الثغور، ولكن طلب منهم أحد أمرين، إما أن يرجع من حيث جاء، وإما أن يدعوه يذهب في الأرض العريضة حتى ينظر ما يصير أمر الناس إليه. ثم إن عبيد الله بعث شمر بن ذي الجوشن فقال: اذهب فان جاء حسين وأصحابه على حكمي وإلا فمر عمر بن سعد أن يقاتلهم، فان تباطأ عن ذلك فاضرب عنقه ثم أنت الأمير على الناس.
وكتب إلى عمر بن سعد يتهدده على توانيه في قتال الحسين، وأمره إن لم يجئ الحسين إليه أن يقاتله ومن معه، فإنهم مشاقون. فاستأمن عبيد الله بن أبى المحل لبني عمته أم البنين بنت حرام من على، وهم العباس وعبد الله وجعفر وعثمان. فكتب لهم ابن زياد كتاب أمان وبعثه عبيد الله بن المحل مع مولى له يقال له كرمان، فلما بلغهم ذلك قالوا: أما أمان ابن سمية. فلا نريده، وإنا لنرجو أمانا خيرا من أمان ابن سمية. ولما قدم شمر بن ذي الجوشن على عمر بن سعد بكتاب عبيد الله بن زياد، قال عمر: أبعد الله دارك، وقبح ما جئت به، والله إني لأظنك الّذي صرفته عن الّذي عرضت عليه من الأمور الثلاثة التي طلبها الحسين، فقال له شمر: فأخبرني ما أنت صانع؟ أتقاتلهم أنت أو تاركي وإياهم؟