فقال له عمر: لا ولا كرامة لك! أنا أتولى ذلك، وجعله على الرجالة ونهضوا إليهم عشية يوم الخميس التاسع من المحرم، فقام شمر بن ذي الجوشن فقال: أين بنو أختنا؟ فقام إليه العباس وعبد الله، وجعفر وعثمان بنو على بن أبى طالب، فقال: أنتم آمنون. فقالوا: إن أمنتنا وابن رسول الله ﷺ، وإلا فلا حاجة لنا بأمانك.
قال: ثم نادى عمر بن سعد في الجيش: يا خيل الله اركبي وابشرى، فركبوا وزحفوا إليهم بعد صلاة العصر من يومئذ، هذا وحسين جالس أمام خيمته محتبيا بسيفه، ونعس فخفق برأسه وسمعت أخته الضجة فدنت منه فأيقظته، فرجع برأسه كما هو، وقال: إني رأيت رسول الله ﷺ في المنام فقال لي: «إنك تروح إلينا» فلطمت وجهها وقالت: يا ويلتنا. فقال:
ليس لك الويل يا أخته: اسكني رحمك الرحمن، وقال له أخوه العباس بن على: يا أخى جاءك القوم، فقال: اذهب إليهم فسلهم ما بدا لهم، فذهب إليهم في نحو من عشرين فارسا فقال: ما لكم؟ فقالوا جاء أمر الأمير إما أن تأتوا على حكمه وإما أن نقاتلكم. فقال: مكانكم حتى أذهب إلى أبى عبد الله فأعلمه، فرجع ووقف أصحابه فجعلوا يتراجعون القول ويؤنب بعضهم بعضا، يقول أصحاب الحسين:
بئس القوم، أنتم تريدون قتل ذريّة نبيكم وخيار الناس في زمانهم؟ ثم رجع العباس بن على من عند الحسين إليهم فقال لهم: يقول لكم أبو عبد الله: انصرفوا عشيتكم هذه حتى ينظر في أمره الليلة، فقال عمر بن سعد لشمر بن ذي الجوشن: ما تقول؟ فقال: أنت الأمير والرأى رأيك، فقال عمرو بن الحجاج بن سلمة الزبيدي: سبحان الله! والله لو سألكم ذلك رجل من الديلم لكان ينبغي إجابته.
وقال قيس بن الأشعث: أجبهم إلى ما سألوك، فلعمري ليصبحنك بالقتال غدوة، وهكذا جرى الأمر، فان الحسين لما رجع العباس قال له: ارجع فارددهم هذه العشية لعلنا نصلي لربنا هذه الليلة ونستغفره وندعوه، فقد علم الله منى أنى أحب الصلاة له، وتلاوة كتابه، والاستغفار والدعاء.
وأوصى الحسين في هذه الليلة إلى أهله، وخطب أصحابه في أول الليل فحمد الله تعالى وأثنى عليه وصلى على رسوله بعبارة فصيحة بليغة، وقال لأصحابه: من أحب أن ينصرف إلى أهله في ليلته هذه فقد أذنت له فان القوم إنما يريدونني. [فقال مالك بن النضر: على دين ولى عيال، فقال هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه حجلا، ليأخذ كل منكم بيد رجل من أهل بيتي ثم أذهبوا في بسيط الأرض في سواد هذا الليل إلى بلادكم ومدائنكم، فان القوم إنما يريدونني، فلو قد أصابونى لهوا عن طلب غيري، فاذهبوا حتى يفرج الله ﷿. فقال له إخوته وأبناؤه وبنو أخيه: لا بقاء لنا بعدك، ولا أرانا الله فيك ما نكره، فقال الحسين: يا بنى عقيل حسبكم بمسلم أخيكم، اذهبوا فقد أذنت لكم، قالوا: فما تقول الناس إنا تركنا شيخنا وسيدنا وبنى عمومتنا خير الأعمام، لم نرم معهم بسهم، ولم نطعن معهم برمح، ولم نضرب معهم بسيف، رغبة في الحياة الدنيا، لا والله لا نفعل، ولكن نفديك