للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأحمسي [والحسين يقرأ ﴿وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ * ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ الآية فسمعها رجل من تلك الخيل التي كانت تحرس من أصحاب ابن زياد فقال: نحن ورب الكعبة الطيبون ميزنا الله منكم. قال فعرفته فقلت لزيد (١) بن حضير: أتدري من هذا؟ قال:

لا! فقلت هذا أبو حرب السبيعي عبيد الله بن شمير - وكان مضحاكا بطالا - وكان شريفا شجاعا فاتكا، وكان سعيد بن قيس ربما حبسه في خبائه. فقال له يزيد بن حصين: يا فاسق متى كنت من الطيبين؟ فقال: من أنت ويلك؟ قال: أنا يزيد بن حصين. قال: إنا لله! هلكت والله عدو الله! على م يريد قتلك؟ قال فقلت له: يا أبا حرب هل لك أن تتوب من ذنوبك العظام؟ فو الله إنا لنحن الطيبون وإنكم لأنتم الخبيثون. قال: نعم وأنا على ذلك من الشاهدين. قال: ويحك أفلا ينفعك معرفتك؟ قال فانتهره عزرة بن قيس أمير السيرة التي تحرسنا فانصرف عنا] (٢) قالوا: فلما صلى عمر بن سعد الصبح بأصحابه يوم الجمعة وقيل يوم السبت - وكان يوم عاشوراء - انتصب للقتال، وصلى الحسين أيضا بأصحابه وهم اثنان وثلاثون فارسا وأربعون راجلا، ثم انصرف فصفهم فجعل على ميمنته زهير بن القين، وعلى الميسرة حبيب بن المطهر، وأعطى رايته العباس بن على أخاه، وجعلوا البيوت بما فيها من الحرم وراء ظهورهم، وقد أمر الحسين من الليل فحفروا وراء بيوتهم خندقا وقذفوا فيه حطبا وخشبا وقصبا، ثم أضرمت فيه النار لئلا يخلص أحد إلى بيوتهم من ورائها. وجعل عمر بن سعد على ميمنته عمرو بن الحجاج الزبيدي، وعلى الميسرة شمر بن ذي الجوشن - واسم ذي الجوشن شرحبيل بن الأعور بن عمرو بن معاوية من بنى الضباب بن كلاب - وعلى الخيل عزرة بن قيس الأحمسي، وعلى الرجالة شبيث بن ربعي، وأعطى الراية لوردان مولاه، وتواقف الناس في ذلك الموضع، فعدل الحسين إلى خيمة قد نصبت فاغتسل فيها واطلى بالنورة وتطيب بمسك كثير، ودخل بعده بعض الأمراء ففعلوا كما فعل، فقال بعضهم لبعض: ما هذا في هذه الساعة؟ فقال بعضهم:

دعنا منك، والله ما هذه بساعة باطل، فقال يزيد بن حصين: والله لقد علم قومي أنى ما أحببت الباطل شابا ولا كهلا، ولكن والله إني لمستبشر بما نحن لاحقون، والله ما بيننا وبين الحور العين إلا أن يميل علينا هؤلاء القوم فيقتلوننا.

ثم ركب الحسين على فرسه وأخذ مصحفا فوضعه بين يديه، ثم استقبل القوم رافعا يديه يدعو بما تقدم ذكره: اللهمّ أنت ثقتي في كل كرب، ورجائي في كل شدة، إلى آخره. وركب ابنه على بن الحسين - وكان ضعيفا مريضا - فرسا يقال له الأحمق ونادى الحسين أيها الناس: اسمعوا منى نصيحة أقولها لكم، فأنصت الناس كلهم، فقال بعد حمد


(١) كذا بالأصلين. وفي الطبري: برير بن حضير
(٢) سقط من المصرية

<<  <  ج: ص:  >  >>