للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله والثناء عليه: أيها الناس إن قبلتم منى وأنصفتمونى كنتم بذلك أسعد، ولم يكن لكم على سبيل، وإن لم تقبلوا منى ﴿فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اُقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ﴾.

﴿إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصّالِحِينَ﴾.

فلما سمع ذلك أخواته وبناته ارتفعت أصواتهن بالبكاء فقال عند ذلك: لا يبعد الله ابن عباس.

- يعنى حين أشار عليه أن لا يخرج بالنساء معه ويدعهن بمكة إلى أن ينتظم الأمر - ثم بعث أخاه العباس فسكتهن، ثم شرع يذكر للناس فضله وعظمة نسبه وعلو قدره وشرفه، ويقول: راجعوا أنفسكم وحاسبوها: هل يصلح لكم قتال مثلي، وأنا ابن بنت نبيكم، وليس على وجه الأرض ابن بنت نبي غيري؟ وعلى أبى، وجعفر ذو الجناحين عمى، وحمزة سيد الشهداء عم أبى؟ وقال لي رسول الله ولأخى: «هذان سيدا شباب أهل الجنة».

فان صدقتموني بما أقول فهو الحق، فو الله ما تعمدت كذبة منذ علمت أن الله يمقت على الكذب، وإلا فاسألوا أصحاب رسول الله عن ذلك، جابر بن عبد الله، وأبا سعيد، وسهل بن سعد، وزيد بن أرقم، وأنس بن مالك، يخبرونكم بذلك، ويحكم! أما تتقون الله؟ أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي؟ فقال عند ذلك شمر بن ذي الجوشن: هو يعبد الله على حرف: إن كنت أدرى ما يقول؟ فقال له حبيب بن مطهر (١): والله يا شمر إنك لتعبد الله على سبعين حرفا، وأما نحن فو الله إنا لندرى ما يقول، وإنه قد طبع على قلمك. ثم قال: أيها الناس ذروني أرجع إلى مأمني من الأرض، فقالوا: وما يمنعك أن تنزل على حكم بنى عمك؟، فقال: معاذ الله ﴿إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ﴾ ثم أناخ راحلته وأمر عقبة بن سمعان فعقلها [ثم قال: أخبرونى أتطلبوني بقتيل لكم قتلته؟ أو مال لكم أكلته؟ أو بقصاصة من جراحة؟ قال: فأخذوا لا يكلمونه. قال: فنادى يا شبيث بن ربعي، يا حجار بن أبجر، يا قيس بن الأشعث، يا زيد بن الحارث، ألم تكتبوا إليّ أنه قد أينعت الثمار وأخضر الجناب، فأقدم علينا فإنك إنما تقدم على جند مجندة؟ فقالوا له: لم نفعل.

فقال: سبحان الله! والله لقد فعلتم، ثم قال: يا أيها الناس! إذ قد كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم، فقال له قيس بن الأشعث: ألا تنزل على حكم بنى عمك فإنهم لن يؤذوك، ولا ترى منهم إلا ما تحب؟ فقال له الحسين: أنت أخو أخيك، أتريد أن تطلبك بنو هاشم بأكثر من دم مسلم ابن عقيل؟ لا والله لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقر لهم إقرار العبيد]. (٢)

قال: وأقبلوا يزحفون نحوه وقد تحيز إلى جيش الحسين من أولئك طائفة قريب من ثلاثين فارسا فيما قيل، منهم الحر بن يزيد أمير مقدمة جيش ابن زياد، فاعتذر إلى الحسين مما كان منهم،


(١) كذا بالأصلين وفي الطبري: مظاهر.
(٢) سقط من المصرية

<<  <  ج: ص:  >  >>