لا يستطيعون أن يجوزوا منها وقد أحرقت. وجاء شمر بن ذي الجوشن قبحه الله إلى فسطاط الحسين فطعنه برمحه - يعنى الفسطاط - وقال: ايتوني بالنار لأحرقه على من فيه، فصاحت النسوة وخرجن منه، فقال له الحسين: أحرقك الله بالنار، وجاء شبيث بن ربعي إلى شمر قبحه الله فقال له: ما رأيت أقبح من قولك ولا من فعلك وموقفك هذا، أتريد أن ترعب النساء؟ فاستحيى وهم بالرجوع وقال حميد بن مسلم: قلت لشمر سبحان الله!! إن هذا لا يصلح لك، أتريد أن تجمع على نفسك خصلتين؟ تعذب بعذاب الله وتقتل الولدان والنساء؟ والله إن في قتلك الرجال لما ترضى به أميرك. قال فقال لي: من أنت؟ قلت: لا أخبرك من أنا - وخشيت أنى إن أخبرته فعرفني أن يسوءنى عند السلطان -.
وشد زهير بن القين في رجال من أصحاب الحسين على شمر بن ذي الجوشن فأزالوه عن موقفه، وقتلوا أبا عزة الضبابي - وكان من أصحاب شمر - وكان الرجل من أصحاب الحسين إذا قتل بان فيهم الخلل، وإذا قتل من أصحاب ابن زياد الجماعة الكثيرة لم يتبين ذلك فيهم لكثرتهم،
ودخل عليهم وقت الظهر فقال الحسين: مروهم فليكفوا عن القتال حتى نصلي، فقال رجل من أهل الكوفة: إنها لا تقبل منكم، فقال له حبيب بن مطهر: ويحك!! أتقبل منكم ولا تقبل من آل رسول الله ﷺ؟ [وقاتل حبيب قتالا شديدا حتى قتل رجلا يقال له بديل بن صريم من بنى عقفان وجعل يقول:
أنا حبيب وأبى مطهر … فارس هيجاء وحرب مسعر
أنتم أوفر عدة وأكثر … ونحن أوفى منكم وأصبر
ونحن أعلى حجة وأظهر … حقا وأبقى منكم وأطهر
ثم حمل على حبيب هذا رجل من بنى تميم فطعنه فوقع، ثم ذهب ليقوم فضربه الحصين بن نمير على رأسه بالسيف فوقع، ونزل إليه التميمي فاحتز رأسه وحمله إلى ابن زياد، فرأى ابن حبيب رأس أبيه فعرفه فقال لحامله: أعطني رأس أبى حتى أدفنه، ثم بكى. قال: فمكث الغلام إلى أن بلغ أشده ثم لم تكن له همة إلا قتل قاتل أبيه، قال: فلما كان زمن مصعب بن عمير دخل الغلام عسكر مصعب فإذا قاتل أبيه في فسطاطه، فدخل عليه وهو قائل فضربه بسيفه حتى برد.
وقال أبو مخنف: حدثني محمد بن قيس قال: لما قتل حبيب بن مطهر هدّ ذلك الحسين، وقال عند ذلك: أحتسب نفسي، وأخذ الحرّ يرتجز ويقول للحسين:
آليت لا تقتل حتى أقتلا … ولن أصاب اليوم إلا مقبلا
أضربهم بالسيف ضربا مقصلا … لأنا كلا عنهم ولا مهملا
ثم قاتل هو وزهير بن القين قتالا شديدا فكان إذا شد أحدهما حتى استلحم شد الآخر حتى