للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فخرج فقالا له: من أنت؟ فانتسب لهما، فقالا: لا نعرفك إلا هو خير منكما، ثم شد على يسار فكان كأمس الذاهب، فإنه لمشتغل به إذ حمل عليه سالم مولى ابن زياد فصاح به صائح قد رهقك العبد، قال: فلم ينتبه حتى غشيه فضربه على يده اليسرى فأمطار أصابعه، ثم مال على الكلبي فضربه حتى قتله وأقبل يرتجز ويقول: -

إن تنكرانى فأنا ابن كلب نسبي … بيتي في عليم حسبي إني امرؤ ذو مروءة وغضب

ولست بالخوار عند الكرب … إني زعيم لك أم وهب بالطعن فيهم مقدما والضرب

ضرب غلام مؤمن بالرب

فأخذت أم وهب عمودا ثم أقبلت نحو زوجها تقول له: فداؤك أبى وأمى، قاتل دون الطيبين، ذرية محمد ، فأقبل إليها يردها نحو النساء فأقبلت تجاذبه ثوبه، قالت: دعني أكون معك،

فناداها الحسين: انصرفي إلى النساء فاجلسى معهن فإنه ليس على النساء قتال، فانصرفت إليهن] (١) قال: وكثرت المبارزة يومئذ بين الفريقين والنصر في ذلك لأصحاب الحسين لقوة بأسهم، وأنهم مستميتون لا عاصم لهم إلا سيوفهم، فأشار بعض الأمراء على عمر بن سعد بعدم المبارزة، وحمل عمرو بن الحجاج أمير ميمنة جيش ابن زياد. وجعل يقول: قاتلوا من مرق من الدين وفارق الجماعة. فقال له الحسين: ويحك يا حجاج أعلي تحرض الناس؟ أنحن مرقنا من الدين وأنت تقيم عليه؟ ستعلمون إذا فارقت أرواحنا أجسادنا من أولى بصلي النار. وقد قتل في هذه الحملة مسلم بن عوسجة، وكان أول من قتل من أصحاب الحسين فمشى إليه الحسين فترحم عليه، وهو على آخر رمق، وقال له حبيب بن مطهر: ابشر بالجنة، فقال له بصوت ضعيف: بشرك الله بالخير. ثم قال له حبيب: لولا أنى أعلم أنى على أثرك لا حقك لكنت أقضى ما توصي به، فقال له مسلم بن عوسجة:

أوصيك بهذا - وأشار إلى الحسين - إلى أن تموت دونه. قالوا: ثم حمل شمر بن ذي الجوشن بليسرة وقصدوا نحو الحسين فدافعت عنه الفرسان من أصحابه دفاعاً عظيما، وكافحوا دونه مكافحة بليغة، فأرسلوا يطلبون من عمر بن سعد طائفة من الرماة الرجالة، فبعث إليهم نحوا من خمسمائة، فجعلوا يرمون خيول أصحاب الحسين فعقروها كلها حتى بقي جميعهم رجالة، ولما عقروا جواد الحر ابن يزيد نزل عنه وفي يده السيف كأنه ليث وهو يقول:

إن تعقروا بى فانا ابن الحر … أشجع من ذي لبد هزبر

ويقال إن عمر بن سعد أمر بتقويض تلك الأبنية التي تمنع من القتال من أتى ناحيتها، فجعل أصحاب الحسين يقتلون من يتعاطى ذلك، فأمر بتحريقها فقال الحسين: دعوهم يحرقونها فإنهم


(١) سقط من المصرية

<<  <  ج: ص:  >  >>