للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقالوا: يا عدو الله! لو أردت ذلك لما مكناك منه، أنحن نذركم تذهبون فتلحدون في بيت الله الحرام؟ ثم تهيأوا للقتال، وقد كانوا اتخذوا خندقا بينهم وبين ابن عقبة، وجعلوا جيشهم أربعة أرباع على كل ربع أمير، وجعلوا أجمل الأرباع الربع الّذي فيه عبد الله بن حنظلة الغسيل، ثم اقتتلوا قتالا شديدا، ثم انهزم أهل المدينة إليها. وقد قتل من الفريقين خلق من السادات والأعيان، منهم عبد الله بن مطيع وبنون له سبعة بين يديه، وعبد الله بن حنظلة الغسيل، وأخوه لأمه محمد بن ثابت بن شماس، ومحمد بن عمرو بن حزم، وقد مر به مروان وهو مجندل فقال: رحمك الله فكم من سارية قد رأيتك تطيل عندها القيام والسجود.

ثم أباح مسلم بن عقبة، الّذي يقول فيه السلف مسرف بن عقبة - قبحه الله من شيخ سوء ما أجهله - المدينة ثلاثة أيام كما أمره يزيد، لا جزاه الله خيرا، وقتل خلقا من أشرافها وقرّائها وانتهب أموالا كثيرة منها، ووقع شرّ عظيم وفساد عريض على ما ذكره غير واحد. فكان ممن قتل بين يديه صبرا معقل بن سنان، وقد كان صديقه قبل ذلك، ولكن أسمعه في يزيد كلاما غليظا فنقم عليه بسببه، واستدعى بعلي بن الحسين فجاء يمشى بين مروان بن الحكم وابنه عبد الملك، ليأخذ له بهما عنده أمانا، ولم يشعر أن يزيد أوصاه به، فلما جلس بين يديه استدعى مروان بشراب -

وقد كان مسلم بن عقبة حمل معه من الشام ثلجا إلى المدينة فكان يشاب له بشرابه - فلما جيء بالشراب شرب مروان قليلا ثم أعطى الباقي لعلى بن الحسين ليأخذ له بذلك أمانا، وكان مروان مواداً لعلى ابن الحسين، فلما نظر إليه مسلم بن عقبة قد أخذ الإناء في يده قال له: لا تشرب من شرابنا، ثم قال له: إنما جئت مع هذين لتأمن بهما؟ فارتعدت يد على بن الحسين وجعل لا يضع الإناء من يده ولا يشربه، ثم قال له: لولا أن أمير المؤمنين أوصاني بك لضربت عنقك، ثم قال له: إن شئت أن تشرب فاشرب، وإن شئت دعونا لك بغيرها، فقال: هذه الّذي في كفى أريد، فشرب ثم قال له مسلم بن عقبة: قم إلى هاهنا فاجلس، فأجلسه معه على السرير وقال له: إن أمير المؤمنين أوصاني بك، وإن هؤلاء شغلونى عنك. ثم قال لعلى بن الحسين: لعل أهلك فزعوا، فقال: إي والله.

فأمر بدابته فأسرجت ثم حمله عليها حتى ردّه إلى منزله مكرما. ثم استدعى بعمرو بن عثمان بن عفان - ولم يكن خرج مع بنى أمية - فقال له: إنك إن ظهر أهل المدينة قلت أنا معكم، وإن ظهر أهل الشام قلت أنا ابن أمير المؤمنين، ثم أمر به فنتفت لحيته بين يديه - وكان ذا لحية كبيرة - قال المدائني: وأباح مسلّم بن عقبة المدينة ثلاثة أيام، يقتلون من وجدوا من الناس، ويأخذون الأموال. فأرسلت سعدى بنت عوف المرية إلى مسلم بن عقبة تقول له: أنا بنت عمك فمر أصحابك أن لا يتعرضوا لإبلنا بمكان كذا وكذا، فقال لأصحابه: لا تبدءوا إلا بأخذ إبلها أولا. وجاءته امرأة فقالت:

<<  <  ج: ص:  >  >>