للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعبد الملك بن مروان، وقد ذكره أبو زرعة الدمشقيّ في الطبقة التي تلى الصحابة، وهي العليا، وقال: له أحاديث، وكان كثير اللحم عظيم الجسم كثير الشعر جميلا طويلا ضخم الهامة محدد الأصابع غليظها مجدرا، وكان أبوه قد طلق أمه وهي حامل به، فرأت أمه في المنام أنه خرج منها قمر من قبلها، فقصّت رؤياها على أمها فقالت: إن صدقت رؤياك لتلدن من يبايع له بالخلافة. وجلست أمه ميسون يوما تمشطه وهو صبي صغير، وأبوه معاوية مع زوجته الحظية عنده في المنظرة، وهي فاختة بنت قرظة، فلما فرغت من مشطه نظرت أمه إليه فأعجبها فقبلته بين عينيه، فقال معاوية عند ذلك:

إذا مات لم تفلح مزينة بعده … فنوطى عليه يا مزين التمائما

وانطلق يزيد يمشى وفاختة تتبعه بصرها ثم قالت: لعن الله سواد ساقى أمك، فقال معاوية:

أما والله إنه لخير من ابنك عبد الله - وهو ولده منها وكان أحمق - فقالت فاختة: لا والله لكنك تؤثر هذا عليه، فقال: سوف أبين لك ذلك حتى تعرفينه قبل أن تقومى من مجلسك هذا، ثم استدعى بابنها عبد الله فقال له: إنه قد بدا لي أن أعطيك كل ما تسألنى في مجلسى هذا، فقال: حاجتي أن تشترى لي كلبا فارها وحمارا فارها، فقال: يا بنى أنت حمار وتشترى لك حمارا؟ قم فاخرج. ثم قال لأمه: كيف رأيت؟ ثم استدعى بيزيد فقال: إني قد بدا لي أن أعطيك كل ما تسألنى في مجلسى هذا، فسلني ما بدا لك. فخر يزيد ساجدا ثم قال حين رفع رأسه: الحمد لله الّذي بلغ أمير المؤمنين هذه المدة، وأراه فىّ هذا الرأى، حاجتي أن تعقد لي العهد من بعدك، وتوليني العام صائفة المسلمين، وتأذن لي في الحج إذا رجعت، وتوليني الموسم، وتزيد أهل الشام عشرة، دنانير لكل رجل في عطائه، وتجعل ذلك بشفاعتي، وتعرض لأيتام بنى جمح، وأيتام بنى سهم، وأيتام بنى عدي. فقال: مالك ولأيتام بنى عدي؟ فقال: لأنهم حالفونى وانتقلوا إلى داري. فقال معاوية: قد فعلت ذلك كله، وقبّل وجهه، ثم قال لفاختة بنت قرظة، كيف رأيت؟ فقالت: يا أمير المؤمنين أوصه بى فأنت أعلم به منى، ففعل. وفي رواية أن يزيد لما قال له أبوه: سلني حاجتك، قال له يزيد: أعتقني من النار أعتق الله رقبتك منها، قال: وكيف؟ قال: لأني وجدت في الآثار أنه من تقلد أمر الأمة ثلاثة أيام حرّمه الله على النار، فاعهد إلى بالأمر من بعدك ففعل.

وقال العتبى: رأى معاوية ابنه يزيد يضرب غلاما له فقال له: اعلم أن الله أقدر عليك منك عليه، سوأة لك!! أتضرب من لا يستطيع أن يمتنع عليك؟ والله لقد منعتني القدرة من الانتقام من ذوى الإحن، وإن أحسن من عفا لمن قدر.

قلت:

وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله رأى أبا مسعود يضرب غلاما له فقال: «اعلم أبا مسعود لله أقدر عليك منك عليه». قال العتبى: وقدم زياد بأموال كثيرة وبسفط مملوء جواهر

<<  <  ج: ص:  >  >>