للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على معاوية فسرّ بذلك معاوية، فقام زياد فصعد المنبر ثم افتخر بما يفعله بأرض العراق من تمهيد الممالك لمعاوية، فقام يزيد فقال: إن تفعل ذلك يا زياد فنحن نقلناك من ولاء ثقيف إلى قريش، ومن القلم إلى المنابر، ومن زياد بن عبيد إلى حرب بنى أمية. فقال له معاوية: اجلس فداك أبى وأمى.

وعن عطاء بن السائب قال: غضب معاوية على ابنه يزيد فهجره فقال له الأحنف بن قيس:

يا أمير المؤمنين إنما هم أولادنا، ثمار قلوبنا وعماد ظهورنا، ونحن لهم سماء ظليلة، وأرض ذليلة، إن غضبوا فارضهم، وإن طلبوا فأعطهم، ولا تكن عليهم ثقلا فيملوا حياتك ويتمنوا موتك. فقال معاوية: لله درك يا أبا بحر، يا غلام ائت يزيد فأقره منى السلام وقل له: إن أمير المؤمنين قد أمر لك بمائة ألف درهم، ومائة ثوب. فقال يزيد: من عند أمير المؤمنين؟ فقال: الأحنف، فقال يزيد:

لا جرم لأقاسمنه، فبعث إلى الأحنف بخمسين ألفا وخمسين ثوبا.

وقال الطبراني: حدثنا محمد بن زكريا الغلابي ثنا ابن عائشة عن أبيه. قال: كان يزيد في حداثته صاحب شراب يأخذ مأخذ الاحداث، فأحس معاوية بذلك فأحب أن يعظه في رفق، فقال: يا بنى ما أقدرك على أن تصل إلى حاجتك من غير تهتك يذهب بمروءتك وقدرك، ويشمت بك عدوك ويسيء بك صديقك، ثم قال: يا بنى إني منشدك أبياتا فتأدب بها واحفظها، فأنشده: -

انصب نهارا في طلاب العلا … واصبر على هجر الحبيب القريب

حتى إذا الليل أتى بالدجى … واكتحلت بالغمض عين الرقيب

فباشر الليل بما تشتهي … فإنما الليل نهار الأريب

كم فاسق تحسبه ناسكا … قد باشر الليل بأمر عجيب

غطى عليه الليل أستاره … فبات في أمن وعيش خصيب

ولذة الأحمق مكشوفة … يسعى بها كل عدو مريب (١)

قلت: وهذا كما جاء في الحديث «من ابتلى بشيء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله ﷿».

وروى المدائني أن عبد الله بن عباس وفد إلى معاوية فأمر معاوية ابنه يزيد أن يأتيه فيعزيه في الحسن بن على، فلما دخل على ابن عباس رحّب به وأكرمه، وجلس عنده بين يديه، فأراد ابن عباس أن يرفع مجلسه فأبى وقال: إنما أجلس مجلس المعزى لا المهنى، ثم ذكر الحسن فقال:

رحم الله أبا محمد أوسع الرحمة وأفسحها، وأعظم الله أجرك وأحسن عزاك، وعوضك من مصابك ما هو خير لك ثوابا وخير عقبى. فلما نهض يزيد من عنده قال ابن عباس: إذا ذهب بنو حرب


(١) بالهامش - ونسبة هذا الشعر إلى معاوية فيه نظر والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>