فإذا أردت أمرا فادع أهل السن والتجربة من أهل الخير من المشايخ وأهل التقوى فشاورهم ولا تخالفهم، وإياك والاستبداد برأيك فان الرأى ليس في صدر واحد، وصدق من أشار عليك إذا حملك على ما تعرف، واخزن ذلك عن نسائك وخدمك، وشمر إزارك، وتعاهد جندك، وأصلح نفسك تصلح لك الناس، لا تدع لهم فيك مقالا فان الناس سراع إلى الشر، واحضر الصلاة، فإنك إذا فعلت ما أوصيك به عرف الناس لك حقك، وعظمت مملكتك، وعظمت في أعين الناس، واعرف شرف أهل المدينة ومكة فإنهم أصلك وعشيرتك، واحفظ لأهل الشام شرفهم فإنهم أهل طاعتك، واكتب إلى أهل الأمصار بكتاب تعدهم فيه منك بالمعروف، فان ذلك يبسط آمالهم، وإن وفد عليك وافد من الكور كلها فأحسن إليهم وأكرمهم فإنهم لمن ورائهم، ولا تسمعن قول قاذف ولا ماحل فانى رأيتهم وزراء سوء.
ومن وجه آخر أن معاوية قال ليزيد: إن لي خليلا من أهل المدينة فأكرمه، قال: ومن هو؟ قال:
عبد الله بن جعفر. فلما وفد بعد موت معاوية على يزيد أضعف جائزته التي كان معاوية يعطيه إياها، وكانت جائزته على معاوية ستمائة ألف، فأعطاه يزيد ألف ألف، فقال له: بأبي أنت وأمى، فأعطاه ألف ألف أخرى. فقال له ابن جعفر: والله لا أجمع أبوي لأحد بعدك. ولما خرج ابن جعفر من عند يزيد وقد أعطاه ألفى ألف، رأى على باب يزيد بخاتي مبركات قد قدم عليها هدية من خراسان، فرجع عبد الله بن جعفر إلى يزيد فسأله منها ثلاث بخاتي ليركب عليها إلى الحج والعمرة، وإذا وفد إلى الشام على يزيد، فقال يزيد للحاجب: ما هذه البخاتي التي على الباب؟ - ولم يكن شعر بها - فقال: يا أمير المؤمنين هذه أربعمائة بختية جاءتنا من خراسان تحمل أنواع الألطاف - وكان عليها أنواع من الأموال كلها - فقال: اصرفها إلى أبى جعفر بما عليها. فكان عبد الله بن جعفر يقول:
أتلومونني على حسن الرأى في هذا؟ - يعنى يزيد - وقد كان يزيد فيه خصال محمودة من الكرم والحلم والفصاحة والشعر والشجاعة وحسن الرأى في الملك. وكان ذا جمال حسن المعاشرة، وكان فيه أيضا إقبال على الشهوات وترك بعض الصلوات في بعض الأوقات، وإماتتها في غالب الأوقات.
وقد قال الامام أحمد: حدثنا أبو عبد الرحمن ثنا حيوة حدثني بشير بن أبى عمرو الخولانيّ أن الوليد بن قيس حدثه أنه سمع أبا سعيد الخدريّ يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «يكون خلف من بعد ستين سنة أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا، ثم يكون خلف يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، ويقرأ القرآن ثلاثة مؤمن ومنافق وفاجر».
فقلت للوليد: ما هؤلاء الثلاثة؟ قال: المنافق كافر به، والفاجر يتأكل به، والمؤمن يؤمن به. تفرد به أحمد.
وقال الحافظ أبو يعلى: حدثنا زهير بن حرب ثنا الفضل بن دكين ثنا كامل أبو العلاء سمعت