أبو بكر بن عبد الله بن أبى سبرة عن عمرو بن أبى عمرو: عن عكرمة قال: سمعت معاوية يقول مات والله أفقه من مات ومن عاش، وروى ابن عساكر عن ابن عباس قال: دخلت على معاوية حين كان الصلح وهو أول ما التقيت أنا وهو، فإذا عنده أناس فقال: مرحبا بابن عباس، ما تحاكت الفتنة بيني وبين أحد كان أعز على بعدا ولا أحب إلى قربا، الحمد لله الّذي أمات عليا، فقلت له:
إن الله لا يذم في قضائه، وغير هذا الحديث أحسن منه، ثم قلت له: أحب أن تعفيني من ابن عمى وأعفيك من ابن عمك، قال: ذلك لك. وقالت عائشة وأم سلمة حين حج ابن عباس بالناس: هو أعلم الناس بالمناسك. وقال ابن المبارك عن داود بن أبى هند عن الشعبي قال: ركب زيد بن ثابت فأخذ ابن عباس بركابه فقال: لا تفعل يا ابن عم رسول الله ﷺ، قال: هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا فقال زيد: أنى يداك؟ فأخرج يديه فقبلهما فقال: هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا.
وقال الواقدي: حدثني داود بن هند عن سعيد بن جبير سمعت ابن المسيب يقول: ابن عباس أعلم الناس. وحدثني عبد الرحمن بن أبى الزناد عن أبيه عن عبيد الله بن عتبة. قال: كان ابن عباس قد فات الناس بخصال. بعلم ما سبق إليه، وفقه فيما احتيج إليه من رأيه، وحلم ونسب ونائل، وما رأيت أحدا كان أعلم بما سبقه من حديث النبي ﷺ منه، ولا بقضاء أبى بكر وعمر وعثمان منه، ولا أفقه في رأى منه، ولا أعلم بشعر ولا عربية ولا تفسير القرآن ولا بحساب ولا بفريضة منه، ولا أعلم فيما مضى ولا أثقب رأيا فيما احتيج إليه منه، ولقد كان يجلس يوما ما يذكر فيه إلا الفقه، ويوما ما يذكر فيه إلا التأويل، ويوما ما يذكر فيه إلا المغازي، ويوما الشعر، ويوما أيام العرب، وما رأيت عالما قط جلس إليه إلا خضع له، ولا وجدت سائلا سأله إلا وجد عند علما. قال: وربما حفظت القصيدة من فيه ينشدها ثلاثين بيتا. وقال هشام بن عروة عن أبيه: ما رأيت مثل ابن عباس قط.
وقال عطاء: ما رأيت مجلسا أكرم من مجلس ابن عباس، أكثر فقها، ولا أعظم هيبة، أصحاب القرآن يسألونه، وأصحاب العربية يسألونه، وأصحاب الشعر عنه يسألونه، فكلهم يصدر في واد أوسع.
وقال الواقدي: حدثني بشر بن أبى سليم عن ابن طاوس عن أبيه. قال: كان ابن عباس قد يسبق على الناس في العلم كما تسبق النخلة السحوق على الودي الصغار. وقال ليث بن أبى سليم قلت لطاوس: لم لزمت هذا الغلام؟ - يعنى ابن عباس - وتركت الأكابر من الصحابة؟ فقال: إني رأيت سبعين من الصحابة إذا تماروا في شيء صاروا إلى قوله، وقال طاوس أيضا: ما رأيت أفقه منه، قال وما خالفه أحد قط فتركه حتى يقرره. وقال على بن المديني ويحيى بن معين وأبو نعيم وغيرهم عن سفيان بن عيينة عن ابن أبى نجيج عن مجاهد. قال: ما رأيت مثله قط، ولقد مات يوم مات وإنه لحبر هذه الأمة - يعنى ابن عباس - وقال أبو بكر بن أبى شيبة وغيره عن أبى أسامة عن الأعمش