للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخلق كلهم عيال الله، وينبغي أن يحمل هذا على غير ما ثبت به الحديث. وقال المدائني: قال عبد الملك لمؤدب أولاده - وهو إسماعيل بن عبيد الله بن أبى المهاجر -: علمهم الصدق كما تعلمهم القرآن، وجنبهم السفلة فإنهم أسوأ الناس رغبة في الخير وأقلهم أدبا، وجنبهم الحشم فإنهم لهم مفسدة، واحف شعورهم تغلظ رقابهم، وأطعمهم اللحم يقووا، وعلمهم الشعر يمجدوا وينجدوا، ومرهم أن يستاكوا عرضا، ويمصوا الماء مصا، ولا يعبوا عبا، وإذا احتجت أن تتناولهم فتناولهم بأدب فليكن ذلك في سر لا يعلم بهم أحد من الغاشية فيهونوا عليهم.

وقال الهيثم بن عدي: أذن عبد الملك للناس في الدخول عليه إذنا خاصا، فدخل شيخ رث الهيئة لم يأبه له الحرس، فألقى بين يدي عبد الملك صحيفة وخرج فلم يدر أين ذهب، وإذا فيها: بسم الله الرحمن الرحيم، يا أيها الإنسان إن الله قد جعلك بينه وبين عباده فاحكم بينهم (﴿بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ، إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ﴾) (﴿أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ، * يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ﴾) (﴿ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ﴾) (﴿وَما نُؤَخِّرُهُ إِلاّ لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ﴾) إن اليوم الّذي أنت فيه لو بقي لغيرك ما وصل إليك، (﴿فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا﴾) وإني أحذرك يوم ينادى المنادي (﴿اُحْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ﴾) (﴿أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظّالِمِينَ﴾) قال فتغير وجه عبد الملك فدخل دار حرمه ولم تزل الكآبة في وجهه بعد ذلك أياما. وكتب زر بن حبيش إلى عبد الملك كتابا وفي آخره: ولا يطمعك يا أمير المؤمنين في طول البقاء ما يظهر لك في صحتك فأنت أعلم بنفسك واذكر ما تكلم به

الأولون إذا الرجال ولدت أولادها … وبليت من كبر أجسادها

وجعلت أسقامها تعتادها … تلك زروع قد دنا حصادها

فلما قرأه عبد الملك بكى حتى بل طرف ثوبه، ثم قال: صدق زر، ولو كتب إلينا بغير هذا كان أرفق. وسمع عبد الملك جماعة من أصحابه يذكرون سيرة عمر بن الخطاب فقال: أنهى عن ذكر عمر فإنه مرارة للامراء مفسدة للرعية. وقال إبراهيم بن هشام بن يحيى القباني عن أبيه عن جده قال:

كان عبد الملك يجلس في حلقة أم الدرداء في مؤخر المسجد بدمشق، فقالت له: بلغني أنك شربت الطلا بعد العبادة والنسك، فقال: إي والله، والدما أيضا قد شربتها. ثم جاءه غلام كان قد بعثه في حاجة فقال: ما حبسك لعنك الله؟

فقالت أم الدرداء: لا تفعل يا أمير المؤمنين فانى سمعت أبا الدرداء يقول: سمعت رسول الله يقول: «لا يدخل الجنة لعّان». وقال أبو بكر بن أبى الدنيا: ثنا الحسين بن عبد الرحمن قال قيل لسعيد بن المسيب: إن عبد الملك بن مروان قال قد صرت لا أفرح بالحسنة أعملها، ولا أحزن على السيئة أرتكبها، فقال سعيد: الآن تكامل موت قلبه.

<<  <  ج: ص:  >  >>