وقال الأعمش: أخبرنى محمد بن الزبير أن أنس بن مالك كتب إلى عبد الملك يشكو الحجاج ويقول في كتابه: لو أن رجلا خدم عيسى بن مريم أو رآه أو صحبه تعرفه النصارى أو تعرف مكانه لهاجرت إليه ملوكهم، ولنزل من قلوبهم بالمنزلة العظيمة، ولعرفوا له ذلك، ولو أن رجلا خدم موسى أو رآه تعرفه اليهود لفعلوا به من الخير والمحبة وغير ذلك ما استطاعوا، وإني خادم رسول الله ﷺ وصاحبه ورأيته وأكلت معه، ودخلت وخرجت وجاهدت معه أعداءه، وإن الحجاج قد أضر بي وفعل وفعل، قال: أخبرنى من شهد عبد الملك يقرأ الكتاب وهو يبكى وبلغ به الغضب ما شاء الله، ثم كتب إلى الحجاج بكتاب غليظ، فجاء إلى الحجاج فقرأه فتغير ثم قال إلى حامل الكتاب: انطلق بنا إليه نترضّاه. وقال أبو بكر بن دريد: كتب عبد الملك إلى الحجاج في أيام ابن الأشعث: إنك أعز ما تكون بالله أحوج ما تكون إليه، وأذل ما تكون للمخلوق أحوج ما تكون إليهم، وإذا عززت بالله فاعف له، فإنك به تعز وإليه ترجع. قال بعضهم: سأل رجل من عبد الملك أن يخلو به فأمر من عنده بالانصراف، فلما خلا به وأراد الرجل أن يتكلم قال له عبد الملك: احذر في كلامك ثلاثا، إياك أن تمدحني فانى أعلم بنفسي منك، أو تكذبني فإنه لا رأى لكذوب، أو تسعى إلى بأحد من الرعية فإنهم إلى عدلي وعفوي أقرب منهم إلى جوري وظلمي، وإن شئت أقلتك. فقال الرجل:
أقلنى فأقاله. وكذا كان يقول للرسول إذا قدم عليه من الآفاق: اعفنى من أربع وقل ما شئت، لا تطرنى، ولا تجبني فيما لا أسألك عنه، ولا تكذبني، ولا تحملني على الرعية فإنهم إلى رأفتي ومعدلتى أحوج. وقال الأصمعي عن أبيه قال: أتى عبد الملك برجل كان مع بعض من خرج عليه فقال:
اضربوا عنقه، فقال: يا أمير المؤمنين ما كان هذا جزائي منك، فقال: وما جزاؤك؟ فقال: والله ما خرجت مع فلان إلا بالنظر لك، وذلك أنى رجل مشئوم ما كنت مع رجل قط إلا غلب وهزم، وقد بان لك صحة ما ادعيت، وكنت عليك خيرا من مائة ألف معك تنصحك، لقد كنت مع فلان فكسر وهزم وتفرق جمعه، وكنت مع فلان فقتل، وكنت مع فلان فهزم - حتى عد جماعة من الأمراء - فضحك وخلى سبيله. وقيل لعبد الملك: أي الرجال أفضل؟ قال: من تواضع عن رفعة وزهد عن قدرة، وترك النصرة عن قوة. وقال أيضا لا طمأنينة قبل الخبرة، فان الطمأنينة قبل الخبرة ضد الحزم. وقال: خير المال ما أفاد حمدا ودفع ذما، ولا يقولن أحدكم ابدأ بمن تعول، فان