للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الّذي حملكم عليه الامام المظلوم، وعليكم بالفرائض التي جمعكم عليها إمامكم المظلوم ، فإنه قد استشار في ذلك زيد بن ثابت ونعم المشير كان للإسلام ، فأحكما ما أحكما، واستقصيا ما شذ عنهما. وقال ابن جريج عن أبيه: حج علينا عبد الملك سنة خمس وسبعين بعد مقتل ابن الزبير بعامين، فخطبنا فقال: أما بعد فإنه كان من قبلي من الخلفاء يأكلون من المال ويوكلون، وإني والله لا أداوى أدواء هذه الأمة إلا بالسيف، ولست بالخليفة المستضعف - يعنى عثمان - ولا الخليفة المداهن - يعنى معاوية - ولا الخليفة المأبون - يعنى يزيد بن معاوية - أيها الناس إنا نحتمل منكم كل الغرمة ما لم يكن عقد راية أو وثوب على منبر، هذا عمرو بن سعيد حقه حقه، قرابته وابنه، قال برأسه هكذا فقلنا بسيفنا هكذا، وإن الجامعة التي خلعها من عنقه عندي، وقد أعطيت الله عهدا أن لا أضعها في رأس أحد إلا أخرجها الصعداء، فليبلغ الشاهد الغائب. وقال الأصمعي: ثنا عباد بن سلم بن عثمان بن زياد عن أبيه عن جده. قال: ركب عبد الملك بن مروان بكرا فأنشأ قائده يقول: -

يا أيها البكر الّذي أراكا … عليك سهل الأرض في ممشاكا

ويحك هل تعلم من علاكا … خليفة الله الّذي امتطاكا

لم يحب بكرا مثل ما حباكا

فلما سمعه عبد الملك قال: أيها يا هناه، قد أمرت لك بعشرة آلاف. وقال الأصمعي: خطب عبد الملك فحصر فقال: إن اللسان بضعة من الإنسان، وإنا نسكت حصرا ولا ننطق هذرا، ونحن أمراء الكلام، فينا رسخت عروقه، وعلينا تدلت أغصانه، وبعد مقامنا هذا مقام، وبعد عينا هذا مقال، وبعد يومنا هذا أيام، يعرف فيها فصل الخطاب وموضع الصواب. قال الأصمعي: قيل لعبد الملك أسرع إليك الشيب، فقال: وكيف لا وأنا أعرض عقلي على الناس في كل جمعة مرة أو مرتين؟ وقال غيره قيل لعبد الملك: أسرع إليك الشيب، فقال: وتنسى ارتقاء المنبر ومخافة اللحن؟ ولحن رجل عند عبد الملك - يعنى أسقط من كلامه الفا - فقال له عبد الملك زد ألف، فقال الرجل: وأنت فزد ألفا، وقال الزهري: سمعت عبد الملك يقول في خطبته: إن العلم سيقبض قبضا سريعا، فمن كان عنده علم فليظهره غير غال فيه ولا جاف عنه، وروى ابن أبى الدنيا أن عبد الملك كان يقول لمن يسايره في سفره: إذا رفعت له شجرة، سبحوا بنا حتى نأتي تلك الشجرة، كبروا بنا حتى نأتي تلك الحجرة، ونحو ذلك.

وروى البيهقي أن عبد الملك وقع منه فلس في بئر قذرة فاكترى عليه بثلاثة عشر دينارا حتى أخرجه منها، فقيل له في ذلك فقال: إنه كان عليه اسم الله ﷿. وقال غير واحد: كان عبد الملك إذا جلس للقضاء بين الناس يقوم السيافون على رأسه بالسيف فينشد، وقال بعضهم: يأمر من ينشد فيقول:

<<  <  ج: ص:  >  >>