للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما جالست أحدا إلا وجدت لي الفضل عليه إلا عبد الملك بن مروان فأنى ما ذاكرته حديثا إلا زادني منه، ولا شعرا إلا زادني فيه. وذكر خليفة بن خياط أن معاوية كتب إلى مروان وهو نائبة على المدينة سنة خمسين أن ابعث ابنك عبد الملك على بعث المدينة إلى بلاد المغرب مع معاوية بن خديج، فذكر من كفايته وغنائه ومجاهدته في تلك البلاد شيئا كثيرا. ولم يزل عبد الملك مقيما بالمدينة حتى كانت وقعة الحرة، واستولى ابن الزبير على بلاد الحجاز، وأجلى بنى أمية من هنالك، فقدم مع أبيه الشام، ثم لما صارت الامارة مع أبيه وبايعه أهل الشام كما تقدم أقام في الامارة تسعة أشهر ثم عهد إليه بالامارة من بعده، فاستقل عبد الملك بالخلافة في مستهل رمضان أو ربيع الأول من سنة خمس وستين، واجتمع الناس عليه بعد مقتل ابن الزبير سنة ثلاث وسبعين في جمادى الأولى إلى هذه السنة.

وقال ثعلب عن ابن الأعرابي: لما سلم على عبد الملك بالخلافة كان في حجره مصحف فأطبقه وقال: هذا فراق بيني وبينك. وقال أبو الطفيل: صنع لعبد الملك مجلس توسع فيه، وقد كان بنى له فيه قبة قبل ذلك، فدخله وقال: لقد كان حثمة الأحوازى - يعنى عمر بن الخطاب - يرى أن هذا عليه حرام، وقيل إنه لما وضع المصحف من حجره قال. هذا آخر العهد منك. وكان عبد الملك له إقدام على سفك الدماء، وكان حازما فهما فطنا سائسا لأمور الدنيا، لا يكل أمر دنياه إلى غيره.

وأمه عائشة بنت معاوية بن المغيرة بن أبى العاص، وأبوها معاوية هو الّذي جدع أنف حمزة عم النبي يوم أحد، وقال سعيد بن عبد العزيز: لما خرج عبد الملك إلى العراق لقتال مصعب بن الزبير خرج معه يزيد بن الأسود الجرشى، فلما التقوا قال: اللهمّ احجز بين هذين الجبلين وول الأمر أحبهما إليك. فظفر عبد الملك - وقد كان مصعب من أعز الناس على عبد الملك - وقد ذكرنا كيفية قتله مصعبا. وقال سعيد بن عبد العزيز: لما بويع لعبد الملك بالخلافة كتب إليه عبد الله بن عمر بن الخطاب: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله بن عمر إلى عبد الملك أمير المؤمنين! سلام عليك فانى أحمد إليك الله الّذي لا إله إلا هو، أما بعد فإنك راع وكل راع مسئول عن رعيته (الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من الله حديثا) لا أحد والسلام. وبعث به مع سلام فوجدوا عليه إذ قدم اسمه على اسم أمير المؤمنين، ثم نظروا في كتبه إلى معاوية فوجدوها كذلك، فاحتملوا ذلك منه.

وقال الواقدي: حدثني ابن أبى ميسرة عن أبى موسى الخياط عن أبى كعب قال: سمعت عبد الملك بن مروان يقول: يا أهل المدينة أنا أحق الناس أن يلزم الأمر الأول، وقد سالت علينا أحاديث من قبل هذا المشرق ولا نعرفها ولا نعرف منها إلا قراءة القرآن، فالزموا ما في مصحفكم

<<  <  ج: ص:  >  >>