الباب حتى خرج فسلمت عليه ودعوت له فرد على السلام ودعا لي، ثم انتهى إلى حائط فقال: يا حمزة ترى هذا الحائط؟ قلت: نعم! قال: فانى اتكأت عليه يوما وأنا حزين فإذا رجل حسن الوجه حسن الثياب ينظر في تجاه وجهي، ثم قال: يا على بن الحسين! ما لي أراك كئيبا حزينا على الدنيا! فهي رزق حاضر يأخذ منها البر والفاجر. فقلت: ما عليها أحزن لأنها كما تقول، فقال على الآخرة؟
فهي وعد صادق، بحكم فيها ملك قادر، فقلت: ما على هذا أحزن لأنه كما تقول. فقال: فعلام حزنك؟ فقلت: ما أتخوف من الفتنة- يعنى فتنة ابن الزبير- فقال لي: يا على! هل رأيت أحدا سأل الله فلم يعطه؟ قلت: لا! قال ويخاف الله فلم يكفه؟ قلت: لا! ثم غاب عنى فقيل لي: يا على إن هذا الخضر الّذي جاءك لفظ الخضر مزاد فيه من بعض الرواة.
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الخضرى حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عن عمر بن حارث. قال: لما مات على بن الحسين فغسلوه جعلوا ينظرون إلى آثار سواد في ظهره. فقالوا:
ما هذا؟ فقيل: كان يحمل جرب الدقيق ليلا على ظهره يعطيه فقراء أهل المدينة. وقال ابن عائشة:
سمعت أهل المدينة يقولون: ما فقدنا صدقة السر حتى مات على بن الحسين.
وروى عبد الله بن حنبل عن ابن إشكاب عن محمد بن بشر عن أبى المنهال الطائي أن على بن الحسين كان إذا ناول المسكين الصدقة قبله ثم ناوله. وقال الطبري: حدثنا يحيى بن زكريا الغلابي حدثنا العتبى حدثني أبى. قال قال على بن الحسين- وكان من أفضل بنى هاشم الأربعة- يا بنى اصبر على النوائب ولا تتعرض للحقوق، ولا تخيب أخاك إلا في الأمر الّذي مضرته عليك أكثر من منفعته لك. وروى الطبراني باسناده عنه: أنه كان جالسا في جماعة فسمع داعية في بيته فنهض فدخل منزله ثم رجع إلى مجلسه، فقيل له: أمن حدث كانت الداعية؟ قال: نعم! فعزوه وتعجبوا من صبره، فقال: إنا أهل بيت نطيع الله عز وجل فيما نحبه، ونحمده على ما نكره. وروى الطبراني عنه قَالَ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ لِيَقُمْ أهل الفضل فيقوم ناس من الناس فيقال لهم: انطلقوا إلى الجنة. فتلقاهم الملائكة فيقولون: إلى أين؟ فيقولون: إلى الجنة. فيقولون قبل الحساب؟ قالوا:
نعم! قالوا: من أنتم؟ قالوا نحن أهل الفضل، قالوا: وما كان فضلكم؟ قالوا: كنا إذا جهل علينا حملنا، وإذا ظلمنا صبرنا، وإذا أسيء إلينا غفرنا، قالوا لهم: ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين. ثم ينادى مناد: ليقم أهل الصبر، فيقوم ناس من الناس فيقال لهم انطلقوا إلى الجنة، فتتلقاهم الملائكة فيقولون لهم مثل ذلك فيقولون: نحن أهل الصبر، قالوا: فما كان صبركم؟ قالوا: صبرنا أنفسنا على طاعة الله، وصبرناها عن معصية الله، وصبرناها على البلاء. فقالوا لهم: ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين. ثم ينادى المنادي: ليقم جيران الله في داره! فيقوم ناس من الناس وهم قليل، فيقال لهم: