أحاطت به أحزانه وهمومه … وأبلس لما أعجزته المقادر
فليس له من كربة الموت فارج … وليس له مما يحاذر ناصر
وقد جشأت خوف المنية نفسه … ترددها منه اللها والحناجر
هنالك خف عواده، وأسلمه أهله وأولاده، وارتفعت البرية بالعويل، وقد أيسوا من العليل، فغمضوا بأيديهم عينيه، ومد عند خروج روحه رجليه، وتخلى عند الصديق، والصاحب الشفيق.
فكم موجع يبكى عليه مفجع … ومستنجد صبرا وما هو صابر
ومسترجع داع له الله مخلصا … يعدد منه كل ما هو ذاكر
وكم شامت مستبشر بوفاته … وعما قليل للذي صار صائر
فشقت جيوبها نساؤه، ولطمت خدودها إماؤه، وأعول لفقده جيرانه، وتوجع لرزيته إخوانه، ثم أقبلوا على جهازه، وشمروا لا برازه، كأنه لم يكن بينهم العزيز المفدى، ولا الحبيب المبدى.
وحل أحب القوم كان بقربة … يحث على تجهيزه ويبادر
وشمر من قد أحضروه لغسله … ووجه لما فاض للقبر حافر
وكفن في ثوبين واجتمعت له … مشيعة إخوانه والعشائر
فلو رأيت الأصغر من أولاده، وقد غلب الحزن على فؤاده، ويخشى من الجزع عليه، وخضبت الدموع عينيه، وهو يندب أباه ويقول: يا ويلاه وا حرباه: -
لعاينت من قبح المنية منظرا … يهال لمرآه ويرتاع ناظر
أكابر أولاد يهيج اكتئابهم … إذا ما تناساه البنون الأصاغر
وربّة نسوان عليه جوازع … مدامعهم فوق الخدود غوازر
ثم أخرج من سعة قصره، إلى ضيق قبره، فلما استقر في اللحد وهيئ عليه اللبن، احتوشته أعماله وأحاطت به خطاياه، وضاق ذرعا بما رآه، ثم حثوا بأيديهم عليه التراب، وأكثروا البكاء عليه والانتحاب، ثم وقفوا ساعة عليه، وأيسوا من النظر إليه، وتركوه رهنا بما كسب وطلب
فولوا عليه معولين وكلهم … لمثل الّذي لاقى أخوه محاذر
كشاء رتاع آمنين بدا لها … بمديته بادى الذراعين حاسر
فريعت ولم ترتع قليلا وأجفلت … فلما نأى عنها الّذي هو جازر
عادت إلى مرعاها، ونسيت ما في أختها دهاها، أفبأفعال الأنعام اقتدينا؟ أم على عادتها جرينا؟ عد إلى ذكر المنقول إلى دار البلى، واعتبر بموضعه تحت الثرى، المدفوع إلى هول ما ترى.
ثوى مفردا في لحده وتوزعت … مواريثه أولاده والأصاهر