أو يوم إلا والّذي بعده شر منه، حتى تلقوا ربكم ﷿، سمعته من نبيكم ﷺ»
وهذا رواه البخاري عن محمد بن يوسف عن سفيان وهو الثوري عن الزبير بن عدي عن أنس قال:«لا يأتى عليكم زمان إلا والّذي بعده شر منه» الحديث. قلت: ومن الناس من يروى هذا الحديث بالمعنى فيقول:
كل عام ترذلون. وهذا اللفظ لا أصل له، وإنما هو مأخوذ من معنى هذا الحديث، والله أعلم.
قلت: قد مر بى مرة من كلام عائشة مرفوعا وموقوفا: كل يوم ترذلون. ورأيت للإمام أحمد كلاما قال فيه: وروى في الحديث كل يوم ترذلون نسما خبيثا. فيحتمل هذا أنه وقع للإمام أحمد مرفوعا، ومثل أحمد لا يقول هذا إلا عن أصل، وقد روى عن الحسن مثل ذلك، والله أعلم. فدل على أن له أصلا إما مرفوعا وإما من كلام السلف، لم يزل يتناوله الناس قرنا بعد قرن، وجيلا بعد جيل، حتى وصل إلى هذه الأزمان، وهو موجود في كل يوم، بل في كل ساعة تفوح رائحته، ولا سيما من بعد فتنة تمرلنك، وإلى الآن نجد الرذالة في كل شيء، وهذا ظاهر لمن تأمله، والله ﷾ أعلم.
وقد قال سفيان الثوري عن إسماعيل بن أبى خالد عن الشعبي. قال: يأتى على الناس زمان يصلون فيه على الحجاج. وقال أبو نعيم عن يونس بن أبى إسحاق عن أبى السفر. قال قال الشعبي:
والله لئن بقيتم لتمنون الحجاج. وقال الأصمعي: قيل للحسن: إنك تقول: الآخر شر من الأول، وهذا عمر بن عبد العزيز بعد الحجاج. فقال الحسن: لا بد للناس من تنفيسات.
وقال ميمون بن مهران: بعث الحجاج إلى الحسن وقد هم به، فلما قام بين يديه قال: يا حجاج كم بينك وبين آدم من أب؟ قال: كثير، قال: فأين هم؟ قال: ماتوا. قال: فنكّس الحجاج رأسه وخرج الحسن. وقال أيوب السختياني: إن الحجاج أراد قتل الحسن مرارا فعصمه الله منه، وقد ذكر له معه مناظرات، على أن الحسن لم يكن ممن يرى الخروج عليه، وكان ينهى أصحاب ابن الأشعث عن ذلك، وإنما خرج معهم مكرها كما قدمنا، وكان الحسن يقول: إنما هو نقمة فلا تقابل نقمة الله بالسيف، وعليكم بالصبر والسكينة والتضرع. وقال ابن دريد عن الحسن بن الحضر عن ابن عائشة. قال: أتى الوليد بن عبد الملك رجل من الخوارج فقيل له: ما تقول في أبى بكر وعمر؟ فأثنى خيرا، قال فعثمان؟ فأثنى خيرا، قيل له: فما تقول في على؟ فأثنى خيرا، فذكر له الخلفاء واحدا بعد واحد، فيثنى على كل بما يناسبه، حتى قيل له: فما تقول في عبد الملك بن مروان؟ فقال:
الآن جاءت المسألة، ما أقول في رجل الحجاج خطيئة من بعض خطاياه؟.] (١) وقال الأصمعي عن على بن مسلم الباهلي قال: أتى الحجاج بامرأة من الخوارج فجعل يكلمها وهي لا تنظر إليه ولا ترد عليه كلاما، فقال لها بعض الشرط: يكلمك الأمير وأنت معرضة عنه؟