للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا الشيخ جاف، فلما صلى ودخل لحقته فقلت: أصلح الله الأمير، من هذا الشيخ الّذي أتكأته يدك؟ فقال: يا رياح رأيته؟ قلت: نعم! قال: ما أحسبك يا رياح إلا رجلا صالحا، ذاك أخى الخضر أتانى فأعلمني أنى سألى أمر هذه الأمة وأنى سأعدل فيها.

وقال يعقوب بن سفيان: حدثنا أبو عمير ثنا ضمرة عن على بن خولة عن أبى عنبس. قال:

كنت جالسا مع خالد بن يزيد بن معاوية فجاء شاب عليه مقطعات فأخذ بيد خالد، فقال: هل علينا من عين؟ فقال أبو عنبس: فقلت عليكما من الله عين بصيرة، وأذن سميعة، قال: فترقرقت عينا الفتى. فأرسل يده من يد خالد وولى، فقلت: من هذا؟ قال: هذا عمر بن عبد العزيز ابن أخى أمير المؤمنين، ولئن طالت بك حياة لترينه إمام هدى. قلت: قد كان عند خالد بن يزيد بن معاوية شيء جيد من أخبار الأوائل وأقوالهم، وكان ينظر في النجوم والطب. وقد ذكرنا في ترجمة سليمان بن عبد الملك أنه لما حضرته الوفاة أراد أن يعهد إلى بعض أولاده، فصرفه وزيره الصالح رجاء بن حيوة عن ذلك، وما زال به حتى عهد إلى عمر بن عبد العزيز من بعده وصوّب ذلك رجاء فكتب سليمان العهد في صحيفة وختمها ولم يشعر بذلك عمر ولا أحد من بنى مروان سوى سليمان ورجاء، ثم أمر صاحب الشرطة بإحضار الأمراء ورءوس الناس من بنى مروان وغيرهم، فبايعوا سليمان على ما في الصحيفة المختومة، ثم انصرفوا، ثم لما مات الخليفة استدعاهم رجاء بن حيوة فبايعوا ثانية قبل أن يعلموا موت الخليفة، ثم فتحها فقرأها عليهم، فإذا فيها البيعة لعمر بن عبد العزيز، فأخذوه فأجلسوه على المنبر وبايعوه فانعقدت له البيعة.

وقد اختلف العلماء في مثل هذا الصنيع في الرجل يوصى الوصية في كتاب ويشهد على ما فيه من غير أن يقرأ على الشهود. ثم يشهدون على ما فيه فينفذ، فسوغ ذلك جماعات من أهل العلم، قال القاضي أبو الفرج العافي بن زكريا الجريريّ: أجاز ذلك وأمضاه وأنفذ الحكم به جمهور أهل الحجاز، وروى ذلك عن سالم بن عبد الله. وهو مذهب مالك ومحمد بن مسلمة المخزومي ومكحول، ونمير بن أوس وزرعة بن إبراهيم، والأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز، ومن وافقهم من فقهاء الشام. وحكى نحو ذلك خالد بن يزيد بن أبى مالك عن أبيه وقضاة جنده، وهو قول الليث بن سعد فيمن وافقه من فقهاء أهل مصر والمغرب، وهو قول فقهاء أهل البصرة وقضاتهم. وروى عن قتادة وعن سوار ابن عبد الله وعبيد الله بن الحسن ومعاذ بن معاذ العنبري فيمن سلك سبيلهم، وأخذ بهذا عدد كثير من أصحاب الحديث، منهم أبو عبيد وإسحاق بن راهويه. قلت: وقد اعتنى به البخاري في صحيحه. قال المعافى: وأبى ذلك جماعة من فقهاء العراق، منهم إبراهيم وحماد والحسن، وهو مذهب الشافعيّ وأبى ثور، قال: وهو قول شيخنا أبى جعفر، وكان بعض أصحاب الشافعيّ بالعراق يذهب

<<  <  ج: ص:  >  >>