للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَيْنَهُ وَبَيْنَ آدَمَ أَبٌ إِلَّا قَدْ مَاتَ، إِنَّهُ لَمُعْرَقٌ لَهُ فِي الْمَوْتِ. وَقَالَ فِي بعض خطبه: كم من عامر موثق عَمَّا قَلِيلٍ يَخْرُبُ، وَكَمْ مِنْ مُقِيمٍ مُغْتَبِطٍ عَمَّا قَلِيلٍ يَظْعَنُ. فَأَحْسِنُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ مِنَ الدنيا الرحلة بأحسن ما يحضر بكم مِنَ النَّقْلَةِ، بَيْنَمَا ابْنُ آدَمَ فِي الدُّنْيَا ينافس قرير العين فيها يانع، إذ دعاه الله بقدره، ورماه بسهم حتفه، فسلبه اثارة دنياه، وصير إلى قوم آخَرِينَ مَصَانِعَهُ وَمَغْنَاهُ، إِنَّ الدُّنْيَا لَا تَسُرُّ بِقَدْرِ مَا تَضُرُّ، تَسُرُّ قَلِيلًا وَتُحْزِنُ طَوِيلًا: وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُهَاجِرٍ قَالَ: لَمَّا اسْتُخْلِفَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَامَ فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّهُ لَا كِتَابَ بَعْدَ الْقُرْآنِ، وَلَا نَبِيَّ بَعْدَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَإِنِّي لَسْتُ بِقَاضٍ وَلَكِنِّي مُنْفِذٌ، وَإِنِّي لَسْتُ بِمُبْتَدِعٍ وَلَكِنِّي مُتَّبِعٌ، إِنَّ الرَّجُلَ الْهَارِبَ مِنَ الْإِمَامِ الظَّالِمِ لَيْسَ بِظَالِمٍ أَلَا إِنَّ الْإِمَامَ الظَّالِمَ هُوَ الْعَاصِي، أَلَا لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ عَزَّ وَجَلَّ. وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ قَالَ فِيهَا: وَإِنِّي لَسْتُ بخير من أحد منكم، ولكنني أَثْقَلُكُمْ حِمْلًا، أَلَا لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، أَلَا هَلْ أَسْمَعْتُ.

وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ مَرْوَانَ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الْحَلْوَانِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ صَفْوَانَ حَدَّثَنِي ابْنٌ لِسَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ قَالَ: كَانَ آخِرُ خُطْبَةً خَطَبَهَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّكُمْ لم تخلقوا عبثا، ولم تُتْرَكُوا سُدًى، وَإِنَّ لَكُمْ مَعَادًا يَنْزِلُ اللَّهُ فِيهِ لِلْحُكْمِ فِيكُمْ وَالْفَصْلِ بَيْنَكُمْ، فَخَابَ وَخَسِرَ من خرج من رحمة الله تعالى، وحرم جنة عرضها السموات وَالْأَرْضُ، أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّهُ لَا يَأْمَنُ غَدًا إِلَّا مَنْ حَذِرَ الْيَوْمَ الْآخِرَ وَخَافَهُ، وَبَاعَ فانيا بباق، ونافدا بما لا نفاد له، وَقَلِيلًا بِكَثِيرٍ، وَخَوْفًا بِأَمَانٍ، أَلَا تَرَوْنَ أَنَّكُمْ فِي أَسْلَابِ الْهَالِكِينَ، وَسَيَكُونُ مِنْ بَعْدِكُمْ لِلْبَاقِينَ، كذلك حتى ترد إِلَى خَيْرِ الْوَارِثِينَ، ثُمَّ إِنَّكُمْ فِي كُلِّ يوم تشيعون غاديا ورائحا إلى الله لا يرجع، قَدْ قَضَى نَحْبَهُ حَتَّى تُغَيِّبُوهُ فِي صَدْعٍ مِنَ الْأَرْضِ، فِي بَطْنِ صَدْعٍ غَيْرِ مُوَسَّدٍ ولا ممهد، قد فارق الأحباب، وواجه التراب والحساب، فَهُوَ مُرْتَهَنٌ بِعَمَلِهِ، غَنِيٌّ عَمَّا تَرَكَ، فَقِيرٌ لما قدم، فاتقوا الله قبل القضاء، وراقبوه قبل نزول الْمَوْتِ بِكُمْ، أَمَا إِنِّي أَقُولُ هَذَا، ثُمَّ وَضَعَ طَرْفَ رِدَائِهِ عَلَى وَجْهِهِ فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ. وَفِي رِوَايَةٍ: وَايْمِ اللَّهِ إِنِّي لأقول قولي هذا ولا أَعْلَمُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مِنَ الذُّنُوبِ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ نَفْسِي، وَلَكِنَّهَا سُنَنٌ مِنَ اللَّهِ عَادِلَةٌ، أَمَرَ فِيهَا بِطَاعَتِهِ، وَنَهَى فِيهَا عَنْ مَعْصِيَتِهِ، وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ، وَوَضَعَ كُمَّهُ عَلَى وَجْهِهِ فَبَكَى حَتَّى بَلَّ لِحْيَتَهُ، فَمَا عَادَ لِمَجْلِسِهِ حَتَّى مَاتَ رَحِمَهُ اللَّهُ.

وَرَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّوْمِ وَهُوَ يَقُولُ: «ادن يا عمر، فَدَنَوْتُ حَتَّى خَشِيتُ أَنْ أُصِيبَهُ، فَقَالَ: إِذَا وليت فاعمل نحوا من عمل هذين، فإذا كَهْلَانِ قَدِ اكْتَنَفَاهُ، فَقُلْتُ: وَمَنْ هَذَانِ؟ قَالَ: هَذَا أَبُو بَكْرٍ وَهَذَا عُمَرُ» . وَرُوِّينَا أَنَّهُ قَالَ:

لِسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: اكْتُبْ لِي سِيرَةَ عُمَرَ حَتَّى أَعْمَلَ بِهَا، فَقَالَ لَهُ سَالِمٌ: إِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>