للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولقلبه بما جنت يداه كالما، وسلط الله على ماله سالبا وخالسا، ولم يأمل العطب في سائر وجوه الطلب وقيل: إن هذا لغيره، والله أعلم.

وقال الحسن: أربع من كنّ فيه ألقى الله عليه محبته. ونشر عليه رحمته: من رق لوالديه، ورق لمملوكه، وكفل اليتيم، وأعان الضعيف. وسئل الحسن عن النفاق فقال: هو اختلاف السر والعلانية والمدخل والمخرج، وقال: ما خافه إلا مؤمن، ولا أمنه إلا منافق- يعنى النفاق- وحلف الحسن:

ما مضى مؤمن ولا بقي إلا وهو يخاف النفاق، وفي رواية: إلا وهو من النفاق مشفق، ولا مضى منافق ولا بقي إلا وهو من النفاق آمن. وكتب عمر بن عبد العزيز إلى الحسن: كيف حبك الدينار والدرهم؟ قال: لا أحبهما، فكتب إليه: تولّ فإنك تعدل. وقال إبراهيم بن عيسى: ما رأيت أطول حزنا من الحسن، وما رأيته قط إلا حسبته حديث عهد بمصيبة، وقال مسمع: لو رأيت الحسن لقلت: قد بث عليه حزن الخلائق. وقال يزيد بن حوشب: ما رأيت أحزن من الحسن وعمر بن عبد العزيز، كأن النار لم تخلق إلا لهما. وقال ابن أسباط: مكث الحسن ثلاثين سنة لم يضحك، وأربعين سنة لم يمزح. وقال: ما سمع الخلائق بعورة بادية، وعين باكية مثل يوم القيامة. وقال:

ابن آدم! إنك ناظر غدا إلى عملك يوزن خيره وشره، فلا تحقرن شيئا من الشر أن تتقيه، فإنك إذا رأيته غدا في ميزانك سرك [١] مكانه. وقال: ذهبت الدنيا وبقيت أعمالكم قلائد في أعناقكم وقال: ابن آدم! بع دنياك بآخرتك تربحهما جميعا، ولا تبع آخرتك بدنياك فتخسرهما جميعا، وهذا مأثور عن لقمان أنه قاله لولده.

وقال الحسن: تجد الرجل قد لبس الأحمر والأبيض وقال: هلموا فانظروا إلى، قال الحسن:

قد رأيناك يا أفسق الفاسقين فلا أهلا بك ولا سهلا، فأما أهل الدنيا فقد اكتسبوا بنظرهم إليك مزيد حرص على دنياهم، وجرأة على شهوات الغنى في بطونهم وظهورهم. وأما أهل الآخرة فقد كرهوك ومقتوك. وقال: إنهم وإن هملجت بهم البراذين، وزفرت بهم البغال، ووطئت أعقابهم الرجال، إن ذل المعاصي لا يفارق رقابهم، يأبى الله إلا أن يذل من عصاه.

وقال فرقد: دخلنا على الحسن فقلنا: يا أبا سعيد: ألا يعجبك من محمد بن الأهتم؟ فقال: ما له؟

فقلنا: دخلنا عليه آنفا وهو يجود بنفسه فقال: انظروا إلى ذاك الصندوق- وأومأ إلى صندوق في جانب بيته- فقال: هذا الصندوق فيه ثمانون ألف دينار- أو قال: درهم- لم أؤد منها زكاة، ولم أصل منها رحما، ولم يأكل منها [محتاج] . فقلنا: يا أبا عبد الله، فلمن كنت تجمعها؟ قال: لروعة الزمان، ومكاثرة الأقران، وجفوة السلطان. فقال: انظروا من أين أتاه شيطانه فخوفه روعة زمانه،


[١] كذا بالأصل وفيه نقص يظهر بالتأمل.

<<  <  ج: ص:  >  >>