المنذر بن الزبير عن عبد الله بن الزبير أنه سمع عليا يقول: هلاك ملك بنى أمية على رجل أحول يعنى هشاما -.
وروى أبو بكر بن أبى الدنيا عن عمر بن أبى معاذ النميري عن أبيه عن عمرو بن كليع عن سالم كاتب هشام بن عبد الملك: قال خرج علينا يوما هشام وعليه كآبة وقد ظهر [عليه] الحزن، فاستدعى الأبرش بن الوليد فجاءه فقال: يا أمير المؤمنين ما لي أراك هكذا؟ فقال: ما لي لا أكون وقد زعم أهل العلم بالنجوم أنى أموت إلى ثلاث وثلاثين من يومى هذا. قال: فكتبنا ذلك، فلما كان آخر ليلة من ذلك جاءني رسوله في الليل يقول: احضر معك دواء للذبحة، وكان قد أصابته قبل ذلك، فاستعمل منه فعوفي، فذهبت إليه ومعى ذلك الدواء فتناوله وهو في وجع شديد، واستمر فيه عامة الليل، ثم قال: يا سالم اذهب إلى منزلك فقد وجدت خفة وذر الدواء عندي، فذهبت فما هو إلا أن وصلت إلى منزلي حتى سمعت الصياح عليه، فجئت فإذا هو قد مات.
وذكر غيره أن هشاما نظر إلى أولاده وهم يبكون حوله فقال: جاد لكم هشام بالدنيا وجدتم عليه بالبكاء، وترك لكم ما جمع، وتركتم له ما كسب، ما أسوأ منقلب هشام إن لم يغفر الله له. ولما مات جاءت الخزنة فختموا على حواصله وأرادوا تسخين الماء فلم يقدروا له على فحم حتى استعاروا له، وكان نقش خاتمه الحكم للحكم الحكيم. وكانت وفاته بالرصافة يوم الأربعاء لست بقين من ربيع الآخر سنة خمس وعشرين ومائة، وهو ابن بضع وخمسين سنة، وقيل إنه جاوز الستين، وصلى عليه الوليد بن يزيد بن عبد الملك، الّذي ولى الخلافة بعده، وكانت خلافة هشام تسع عشرة سنة وسبعة أشهر وأحد عشر يوما، وقيل وثمانية أشهر وأيام فالله أعلم.
وقال ابن أبى فديك: ثنا عبد الملك بن زيد عن مصعب عن الزهري عن أبى سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه أن رسول الله ﷺ قال: «ترفع زينة الدنيا سنة خمس وعشرين ومائة». قال ابن أبى فديك: زينتها نور الإسلام وبهجته، وقال غيره - يعنى الرجال - والله أعلم.
قلت: لما مات هشام بن عبد الملك مات ملك بنى أمية، وتولى وأدبر أمر الجهاد في سبيل الله واضطرب أمرهم جدا، وإن كانت قد تأخرت أيامهم بعده نحوا من سبع سنين، ولكن في اختلاف وهيج، وما زالوا كذلك حتى خرجت عليهم بنو العباس فاستلبوهم نعمتهم وملكهم، وقتلوا منهم خلقا وسلبوهم الخلافة كما سيأتي إن شاء الله تعالى ذلك مبسوطا مقدرا في مواضع، والله ﷾ أعلم.
***
بحمد الله قد تم الجزء التاسع من البداية والنهاية ويليه الجزء العاشر وأوله خلافة الوليد بن يزيد بن عبد الملك.