وقد دل سباق القصة على نبوته من وجوه. أحدها قوله تعالى ﴿فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنّا عِلْماً﴾ الثاني قول موسى له ﴿هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمّا عُلِّمْتَ رُشْداً * قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً * قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً * قالَ فَإِنِ اِتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً﴾ فلو كان وليا وليس بنبي لم يخاطبه موسى بهذه المخاطبة ولم يرد على موسى هذا الرد بل موسى إنما سأل صحبته لينال ما عنده من العلم الّذي اختصه الله به دونه فلو كان غير نبي لم يكن معصوما ولم تكن لموسى وهو نبي عظيم ورسول كريم واجب العصمة كبير رغبة ولا عظيم طلبة في علم ولى غير واجب العصمة ولما عزم على الذهاب اليه والتفتيش عليه ولو أنه يمضى حقبا من الزمان قيل ثمانين سنة ثم لما اجتمع به تواضع له وعظمه واتبعه في صورة مستفيد منه دل على أنه نبي مثله يوحى اليه كما يوحى اليه وقد خص من العلوم اللدنية والأسرار النبويّة بما لم يطلع الله عليه موسى الكليم نبي بنى إسرائيل الكريم وقد احتج بهذا المسلك بعينه الرماني (١) على نبوة الخضر ﵇. الثالث أن الخضر أقدم على قتل ذلك الغلام وما ذاك إلا للوحى اليه من الملك العلام * وهذا دليل مستقل على نبوته. وبرهان ظاهر على عصمته لان الولي لا يجوز له الاقدام على قتل النفوس بمجرد ما يلقى في خلده لان خاطره ليس بواجب العصمة إذ يجوز عليه الخطأ بالاتفاق. ولما أقدم الخضر على قتل ذلك الغلام الّذي لم يبلغ الحلم علما منه بانه إذا بلغ يكفر ويحمل أبويه عن الكفر لشدة محبتهما له فيتابعانه عليه ففي قتله مصلحة عظيمة تربو على بقاء مهجته صيانة لأبويه عن الوقوع في الكفر وعقوبته دل ذلك على نبوته وانه مؤيد من الله بعصمته.
وقد رأيت الشيخ أبا الفرج ابن الجوزي طرق هذا المسلك بعينه في الاحتجاج على نبوة الخضر وصححه.
وحكى الاحتجاج عليه الرماني أيضا. الرابع أنه لما فسر الخضر تأويل تلك الأفاعيل لموسى ووضح له عن حقيقة أمره وجلى قال بعد ذلك كله ﴿رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي﴾ يعنى ما فعلته من تلقاء نفسي بل أمرت به وأوحى الى فيه فدلت هذه الوجوه على نبوته * ولا ينافي ذلك حصول ولايته بل ولا رسالته كما قاله آخرون. وأما كونه ملكا من الملائكة فغريب جدا. وإذا ثبتت نبوته كما ذكرناه لم يبق لمن قال بولايته وان الولي قد يطلع على حقيقة الأمور دون أرباب الشرع الظاهر مستند يستندون اليه ولا معتمد يعتمدون عليه.
وأما الخلاف في وجوده الى زماننا هذا فالجمهور على انه باق الى اليوم. قيل لانه دفن آدم بعد خروجهم من الطوفان فنالته دعوة أبيه آدم بطول الحياة. وقيل لانه شرب من عين الحياة فحيي.
(١) وفي النسختين الموجودتين في المكتبة المصرية (البرقاني).