للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن دريد عن الرياشي عن محمد بن سلام قال: رأت جارية للمنصور ثوبه مرقوعا فقالت:

خليفة وقميص مرقوع؟ فقال: ويحك أما سمعت ما قال ابن هرمة

قد يدرك الشرف الفتى ورداؤه … خلق وبعض قميصه مرقوع

وقال بعض الزهاد للمنصور: اذكر ليلة تبيت في القبر لم تبت قبلها ليلة مثلها، واذكر ليلة تمخض عن يوم القيامة لا ليلة بعدها فأفحم المنصور قوله فأمر له بمال. فقال: لو احتجت إلى مالك ما وعظتك. ومن شعره لما عزم على قتل أبى مسلم:

إذا كنت ذا رأى فكن ذا عزيمة … فان فساد الرأى أن يترددا

ولا تمهل الأعداء يوما لغدرة … وبادرهم أن يملكوا مثلها غدا

ولما قتله ورآه طريحا بين يديه قال:

قد اكتنفتك خلات ثلاث … جلبن عليك محتوم الحمام

خلافك وامتناعك من يميني … وقودك للجماهير العظام

ومن شعره أيضا:

المرء يأمل أن يعيش … وطول عمر قد يضره

تبلى بشاشته ويبقى … بعد حلو العيش مره

وتخونه الأيام حتى … لا يرى شيئا يسره

كم شامت بى إن هلكت … وقائل لله دره

قالوا: وكان المنصور في أول النهار يتصدى للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والولايات والعزل والنظر في مصالح العامة، فإذا صلى الظهر دخل منزله واستراح إلى العصر، فإذا صلاها جلس لأهل بيته ونظر في مصالحهم الخاصة، فإذا صلى العشاء نظر في الكتب والرسائل الواردة من الآفاق، وجلس عنده من يسامره إلى ثلث الليل، ثم يقوم إلى أهله فينام في فراشه إلى الثلث الآخر، فيقوم إلى وضوئه وصلاته حتى يتفجر الصباح، ثم يخرج فيصلي بالناس، ثم يدخل فيجلس في إيوانه.

وقد ولى بعض العمال على بلد فبلغه أنه قد تصدى للصيد وأعد لذلك كلابا وبزاة، فكتب إليه ثكلتك أمك وعشيرتك، ويحك إنا إنما استكفيناك واستعملناك على أمور المسلمين، ولم نستكفك أمور الوحوش في البراري، فسلم ما تلى من عملنا إلى فلان والحق بأهلك ملوما مدحورا.

وأتى يومى بخارجى قد هزم جيوش المنصور غير مرة فلما وقف بين يديه قال له المنصور: ويحك يا ابن الفاعلة! مثلك يهزم الجيوش؟ فقال الخارجي: ويلك سوأة لك بيني وبينك أمس السيف والقتل واليوم القذف والسب، وما يؤمنك أن أرد عليك وقد يئست من الحياة فما أستقبلها أبدا.

<<  <  ج: ص:  >  >>