أن يكون سرفا؟ فقال: لا! إنما السرف ما كان في معصية الله، فأما ما أنفقه الرجل على إخوانه فهو من الدين. وذكروا أنه حصد مرة بعشرين دينارا، فجلس مرة عند حجام هو وصاحب له ليحلق رءوسهم ويحجمهم، فكأنه تبرم بهم واشتغل عنهم بغيرهم، فتأذى صاحبه من ذلك ثم أقبل عليهم الحجام فقال: ماذا تريدون؟ قال إبراهيم: أريد أن تحلق رأسي وتحجمنى، ففعل ذلك فأعطاه إبراهيم العشرين دينارا، وقال: أردت أن لا تحقر بعدها فقيرا أبدا. وقال مضاء بن عيسى: ما فاق إبراهيم أصحابه بصوم ولا صلاة ولكن بالصدق والسخاء.
[وكان إبراهيم يقول: فروا من الناس كفراركم من الأسد الضاري، ولا تخلفوا عن الجمعة والجماعة. وكان إذا سافر مع أحد من أصحابه يحدثه إبراهيم، وكان إذا حضر في مجلس فكأنما على رءوسهم الطير هيبة له وإجلالا. وربما تسامر هو وسفيان الثوري في الليلة الشاتية إلى الصباح، وكان الثوري يتحرز معه في الكلام. ورأى رجلا قيل له: هذا قاتل خالك، فذهب إليه فسلم عليه وأهدى له وقال: بلغني أن الرجل لا يبلغ درجة اليقين حتى يأمنه عدوه. وقال له رجل: طوبى لك أفنيت عمرك في العبادة وتركت الدنيا والزوجات. فقال: ألك عيال؟ قال: نعم. فقال: لروعة الرجل بعياله - يعنى في بعض الأحيان من الفاقة - أفضل من عبادة كذا وكذا سنة. ورآه الأوزاعي ببيروت وعلى عنقه حزمة حطب فقال: يا أبا إسحاق إن إخوانك يكفونك هذا. فقال له: اسكت يا أبا عمرو! فقد بلغني أنه إذا وقف الرجل موقف مذلة في طلب الحلال وجبت له الجنة. وخرج ابن أدهم من بيت المقدس فمر بطريق فأخذته المسلحة في الطريق فقالوا: أنت عبد؟ قال: نعم. قالوا:
آبق؟ قال نعم. فسجنوه. فبلغ أهل بيت المقدس خبره فجاءوا برمتهم إلى نائب طبرية فقالوا: علام سجنت. فقال: سل المسلحة، قالوا: أنت عبد؟ قلت نعم وأنا عبد الله. قالوا: آبق؟ قلت نعم وأنا عبد آبق من ذنوبي. فخلى سبيله.
وذكروا أنه مرمع رفقة فإذا الأسد على الطريق فتقدم إليه إبراهيم بن أدهم فقال له: يا قسورة إن كنت أمرت فينا بشيء فامض لما أمرت به وإلا فعودك على بدئك. قالوا: فولى السبع ذاهبا يضرب بذنبه، ثم أقبل علينا إبراهيم فقال: قولوا: اللهمّ راعنا بعينك التي لا تنام، واكنفنا بكنفك الّذي لا يرام، وارحمنا بقدرتك علينا، ولا نهلك وأنت رجاؤنا يا الله، يا الله، يا الله. قال خلف بن تميم: فما زلت أقولها منذ سمعتها فما عرض لي لص ولا غيره.
وقد روى لهذا شواهد من وجوه أخر. وروى أنه كان يصلى ذات ليلة فجاءه.] (١) أسد