للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومستحب، وزهد سلامة، فأما الواجب فالزهد في الحرام، والزهد عن الشهوات الحلال مستحب، والزهد عن الشبهات سلامة. وكان هو وأصحابه يمنعون أنفسهم الحمام والماء البارد والحذاء ولا يجعلون في ملحهم أبزارا، وكان إذا جلس على سفرة فيها طعام طيب رمى بطيبها إلى أصحابه وأكل هو الخبز والزيتون. وقال قلة الحرص والطمع تورث الصدق والورع، وكثرة الحرص والطمع تورث الغم والجزع. وقال له رجل: هذه جبة أحب أن تقبلها منى. فقال: إن كنت غنيا قبلتها، وإن كنت فقيرا لم أقبلها. قال: أنا غنى. قال: كم عندك؟ قال ألفان. قال: تود أن تكون أربعة آلاف؟ قال: نعم، قال فأنت فقير، لا أقبلها منك. وقيل له: لو تزوجت؟ فقال: لو أمكننى أن أطلق نفسي لطلقتها. ومكث بمكة خمسة عشر يوما لا شيء له ولم يكن له زاد سوى الرمل بالماء، وصلى بوضوء واحد خمس عشرة صلاة، وأكل يوما على حافة الشريعة كسيرات مبلولة بالماء وضعها بين يديه أبو يوسف الغسوليّ، فأكل منها ثم قام فشرب من الشريعة ثم [جاء واستلقى على قفاه وقال: يا أبا يوسف لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من النعيم لجالدونا بالسيوف أيام الحياة على ما نحن فيه من لذيذ العيش. فقال له أبو يوسف: طلب القوم الراحة والنعيم فأخطئوا الطريق المستقيم. فتبسم إبراهيم وقال: من أين لك هذا الكلام؟ وبينما هو بالمصيصة في جماعة من أصحابه إذ جاءه راكب فقال:

أيكم إبراهيم بن أدهم؟ فأرشد إليه، فقال: يا سيدي أنا غلامك، وإن أباك قد مات وترك ما لا هو عند القاضي، وقد جئتك بعشرة آلاف درهم لتنفقها عليك إلى بلخ، وفرس وبغلة. فسكت إبراهيم طويلا ثم رفع رأسه فقال: إن كنت صادقا فالدراهم والفرس والبغلة لك، ولا تخبر به أحدا.

ويقال: إنه ذهب بعد ذلك إلى بلخ وأخذ المال من الحاكم وجعله كله في سبيل الله.

وكان معه بعض أصحابه فمكثوا شهرين لم يحصل لهم شيء يأكلونه، فقال له إبراهيم: ادخل إلى هذه الغيضة - وكان ذلك في يوم شات - قال: فدخلت فوجدت شجرة عليها خوخ كثير فملأت منه جرابى ثم خرجت، فقال: ما معك؟ قلت: خوخ. فقال: يا ضعيف اليقين! لو صبرت لوجدت رطبا جنيا، كما رزقت مريم بنت عمران. وشكا إليه بعض أصحابه الجوع فصلى ركعتين فإذا حوله دنانير كثيرة فقال لصاحبه: خذ منها دينارا، فأخذه واشترى لهم به طعاما. وذكروا أنه كان يعمل بالفاعل ثم يذهب فيشترى البيض والزبدة وتارة الشواء والجوذبان والخبيص فيطعمه أصحابه وهو صائم، فإذا أفطر يأكل من رديء الطعام ويحرم نفسه المطعم الطيب ليبر به الناس تأليفا لهم وتحببا وتوددا إليهم.

وأضاف الأوزاعي إبراهيم بن أدهم فقصر إبراهيم في الأكل فقال: مالك قصرت؟ فقال:

لأنك قصرت في الطعام. ثم عمل إبراهيم طعاما كثيرا ودعا الأوزاعي فقال الأوزاعي: أما تخاف.

<<  <  ج: ص:  >  >>