مثلنا ولا نسأل كشفه من ربنا. ثم يقول: ثكلت عبدا أمه أحب الدنيا ونسي ما في خزائن مولاه وقال: إذا كنت بالليل نائما وبالنهار هائما وفي المعاصي دائما فكيف ترضى من هو بأمورك قائما.
ورآه بعض أصحابه وهو بمسجد بيروت وهو يبكى ويضرب بيديه على رأسه، فقال: ما يبكيك؟ فقال: ذكرت يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار. وقال: إنك كلما أمعنت النظر في مرآة التوبة بان لك قبح شين المعصية.
وكتب إلى الثوري: من عرف ما يطلب هان عليه ما يبذل، ومن أطلق بصره طال أسفه، ومن أطلق أمله ساء عمله، ومن أطلق لسانه قتل نفسه. وسأله بعض الولاة من أين معيشتك؟ فأنشأ يقول:
نرقّع دنيانا بتمزيق ديننا … فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع
وكان كثيرا ما يتمثل بهذه الأبيات.
لما توعد الدنيا به من شرورها … يكون بكاء الطفل ساعة يوضع
وإلا فما يبكيه منها وإنها … لأروح مما كان فيه وأوسع
إذا أبصر الدنيا استهل كأنما … يرى ما سيلقى من أذاها ويسمع
وكان يتمثل أيضا:
رأيت الذنوب نميت القلوب … ويورثها الذل إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب … وخير لنفسك عصيانها
وما أفسد الدين إلا ملوك … وأحبار سوء ورهبانها
وباعوا النفوس فلم يربحوا … ولم يغل بالبيع أثمانها
لقد رتع القوم في جيفة … تبين لذي اللب أنتانها
وقال: إنما يتم الورع بتسوية كل الخلق في قلبك، والاشتغال عن عيوبهم بذنبك، وعليك باللفظ الجميل من قلب ذليل لرب جليل، فكر في ذنبك وتب إلى ربك ينبت الورع في قلبك، واقطع الطمع إلى من ربك. وقال: ليس من أعلام الحب أن تحب ما يبغضه حبيبك، ذمّ مولانا الدنيا فمدحناها، وأبغضها فأحببناها، وزهدنا فيها فآثرناها ورغبنا في طلبها، ووعدكم خراب الدنيا فحصنتموها، ونهاكم عن طلبها فطلبتموها، وأنذركم الكنوز فكنزتموها، دعتكم إلى هذه الغرارة دواعيها، فأجبتم مسرعين مناديا، خدعتكم بغرورها، ومنتكم فانقدتم خاضعين لأمانيها تتمرغون في زهراتها وزخارفها، وتتنعمون في لذاتها وتتقلبون في شهواتها، وتتلوثون بتبعاتها، تنبشون بمخالف الحرص عن خزائنها، وتحفرون بمعاول الطمع في معادنها. وشكى إليه رجل كثرة عياله فقال: ابعث إليّ منهم من لا رزقه على الله. فسكت الرجل. وقال: مررت في بعض جبال فإذا حجر مكتوب عليه بالعربية: