للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كل حىّ وإن بقي … فمن العيش يستقى

فاعمل اليوم واجتهد … واحذر الموت يا شقي

قال: فبينا أنا واقف أقرأ وأبكى، وإذا برجل أشعر أغبر عليه مدرعة من شعر فسلم وقال: مم تبكى؟ فقلت: من هذا. فأخذ بيدي ومضى غير بعيد فإذا بصخرة عظيمة مثل المحراب فقال اقرأ وابك ولا تقصر. وقام هو يصلى فإذا في أعلاه نقش بين عربي:

لا تبغين جاها وجاهك ساقط … عند المليك وكن لجاهك مصلحا

وفي الجانب الآخرة نقش بين عربي:

من لم يثق بالقضاء والقدر … لاقى هموما كثيرة الضرر

وفي الجانب الأيسر منه نقش بين عربي:

ما أزين التقى وما أقبح الخنا … وكل مأخوذ بما جنا … وعند الله الجزا

وفي أسفل المحراب فوق الأرض بذراع أو أكثر:

انما الفوز والغنى … في تقى الله والعمل (١)

قال: فلما فرغت من القراءة التفت فإذا ليس الرجل هناك، فما أدرى انصرف أم حجب عنى.

وقال: أثقل الأعمال في الميزان أثقلها على الأبدان، ومن وفي العمل وفي له الأجر، ومن لم يعمل رحل من الدنيا إلى الآخرة بلا قليل ولا كثير. وقال: كل سلطان لا يكون عادلا فهو واللص بمنزلة واحدة، وكل عالم لا يكون ورعا فهو والذئب بمنزلة واحدة، وكل من خدم سوى الله فهو والكلب بمنزلة واحدة. وقال: ما ينبغي لمن ذل الله في طاعته أن يذل لغير الله في مجاعته، فكيف بمن هو يتقلب في نعم الله وكفايته؟ وقال: أعربنا في كلامنا فلم نلحن، ولحنا في أعمالنا فلم نعرب.

وقال: كنا إذا رأينا الشاب يتكلم في المجلس أيسنا من خيره. وقال: جانبوا الناس ولا تنقطعوا عن جمعة ولا جماعة.

وقال الحافظ أبو بكر الخطيب: أخبرنا القاضي أبو محمد الحسن بن الحسن بن محمد بن زامين الأسترابادي قال: أنبأ عبد الله بن محمد الحميدي الشيرازي أنبأ القاضي أحمد بن خرزاد الأهوازي حدثني على بن محمد القصري حدثني أحمد بن محمد الحلبي سمعت سريا السقطي يقول سمعت بشر ابن الحارث الحافى يقول: قال إبراهيم بن أدهم: وقفت على راهب فأشرف على فقلت له: عظني فأنشأ يقول:

خذ عن الناس جانبا … كن بعدوك راهبا


(١) قد صححنا هذه الأبيات من الحلية لأبى نعيم في ترجمة ابن أدهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>