روى عن أبيه عن جده عبد الله بن عباس «أن رسول الله ﷺ جهر ببسم الله الرحمن الرحيم». رواه عنه يحيى بن حمزة النهشلي قاضى دمشق، وذكر أنه صلى خلف المهدي حين قدم دمشق فجهر في السورتين بالبسملة، وأسند ذلك عن رسول الله ﷺ ورواه غير واحد عن يحيى بن حمزة، ورواه المهدي عن المبارك بن فضالة، ورواه عنه أيضا جعفر ابن سليمان الضبعي، ومحمد بن عبد الله الرقاشيّ، وأبو سفيان سعيد بن يحيى بن مهدي.
وكان مولد المهدي في سنة ست أو سبع وعشرين ومائة، أو في سنة إحدى وعشرين ومائة، ولى الخلافة بعد موت أبيه في ذي الحجة سنة ثمان وخمسين ومائة، وعمره إذ ذاك ثلاث وثلاثون سنة، ولد بالحمية من أرض البلقاء، وتوفى في المحرم من هذه السنة - أعنى سنة تسع وستين ومائة - عن ثلاث أو ثمان وأربعين سنة، وكانت خلافته عشر سنين وشهرا وبعض شهر، وكان أسمر طويلا جعد الشعر، على إحدى عينية نكتة بيضاء، قيل على عينه اليمنى، وقيل اليسرى. قال الربيع الحاجب: رأيت المهدي يصلى في ليلة مقمرة في بهو له عليه ثياب حسنة، فما أدرى هو أحسن أم القمر، أم بهوه، أم ثيابه. فقرأ ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ﴾ الآية. ثم أمرنى فأحضرت رجلا من أقاربه كان مسجونا فأطلقه. ولما جاء خبر موت أبيه بمكة كما تقدم، كتم الأمر يومين ثم نودي في الناس يوم الخميس الصلاة جامعة، فقام فيهم خطيبا فأعلمهم بموت أبيه وقال: إن أمير المؤمنين دعي فأجاب فعند الله أحتسب أمير المؤمنين وأستعينه على خلافة المسلمين. ثم بايعه الناس بالخلافة يومئذ. وقد عزاه أبو دلامة وهنأه في قصيدة له يقول فيها: -
عيناي واحدة ترى مسرورة … بأميرها جذلا وأخرى تذرف
تبكى وتضحك تارة ويسوءها … ما أنكرت ويسرها ما تعرف
فيسوؤها موت الخليفة محرما … ويسرها أن قام هذا الأرأف
ما إن رأيت كما رأيت ولا أرى … شعرا أرجله وآخر ينتف
هلك الخليفة يال أمة أحمد … وأتاكم من بعده من يخلف
أهدى لهذا الله فضل خلافة … ولذاك جنات النعيم تزخرف
وقد قال المهدي يوما في خطبة: أيها الناس أسروا مثلما تعلنون من طاعتنا تهنكم العافية، وتحمدوا العاقبة، واخفضوا جناح الطاعة لمن ينشر معدلته فيكم، ويطوى ثوب الإصر عنكم، وأهال عليكم السلامة ولين المعيشة من حيث أراه الله، مقدما ذلك على فعل من تقدمه، والله لأعفين عمري من عقوبتكم، ولأحملن نفسي على الإحسان إليكم. قال: فأشرقت وجوه الناس من حسن كلامه. ثم استخرج حواصل أبيه من الذهب والفضة التي كانت لا تحد ولا توصف كثرة، ففرقها