للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الناس، ولم يعط أهله ومواليه منها شيئا، بل أجرى لهم أرزاقا بحسب كفايتهم من بيت المال، لكل واحد خمسمائة في الشهر غير الأعطيات وقد كان أبوه حريصا على توفير بيت المال، وإنما كان ينفق في السنة ألفى درهم من مال السراة، وأمر المهدي ببناء مسجد الرصافة وعمل خندق وسور حولها، وبنى مدنا ذكرناها فيما تقدم.

وذكر له عن شريك بن عبد الله القاضي أنه لا يرى الصلاة خلفه، فأحضره فتكلم معه ثم قال له الهدى في جملة كلامه: يا ابن الزانية! فقال له شريك: معه مه يا أمير المؤمنين. فلقد كانت صوامة قوامة. فقال له: يا زنديق لأقتلنك. فضحك شريك، فقال: يا أمير المؤمنين إن للزنادقة علامات يعرفون بها، شربهم القهوات، واتخاذهم القينات. فأطرق المهدي وخرج شريك من بين يديه. وذكروا أنه هاجت ريح شديدة، فدخل المهدي بيتا في داره فألزق خده بالتراب وقال: اللهمّ إن كنت أنا المطلوب بهذه العقوبة دون الناس فها أنا ذا بين يديك، اللهمّ لا تشمت بى الأعداء من أهل الأديان. فلم يزل كذلك حتى انجلت. ودخل عليه رجل يوما ومعه نعل فقال: هذه نعل رسول الله قد أهديتها لك. فقال: هاتها، فناوله إياها، فقبلها ووضعها على عينيه وأمر له بعشرة آلاف درهم. فلما انصرف الرجل قال المهدي: والله إني لأعلم أن رسول الله لم ير هذه النعل، فضلا عن أن يلبسها، ولكن لو رددته لذهب يقول للناس: أهديت إليه نعل رسول الله فردها على، فتصدقه الناس، لأن العامة تميل إلى أمثالها، ومن شأنهم نصر الضعيف على القوى وإن كان ظالما، فاشترينا لسانه بعشرة آلاف درهم، ورأينا هذا أرجح وأصلح.

واشتهر عنه أنه كان يحب اللعب بالحمام والسباق بينها، فدخل عليه جماعة من المحدثين فيهم

عتاب بن إبراهيم فحدثه بحديث أبى هريرة: «لا سبق إلا في خف أو نعل أو حافر». وزاد في الحديث «أو جناح» فأمر له بعشرة آلاف. ولما خرج قال: والله إني لأعلم أن عتابا كذب على رسول الله . ثم أمر بالحمام فذبح ولم يذكر عتابا بعدها. وقال الواقدي: دخلت على المهدي يوما فحدثته بأحاديث فكتبها عنى ثم قام فدخل بيوت نسائه ثم خرج وهو ممتلئ غيظا فقلت: مالك يا أمير المؤمنين؟ فقال: دخلت على الخيزران فقامت إلى ومزقت ثوبي وقالت: ما رأيت منك خيرا، وإني والله يا واقدى إنما اشتريتها من نخاس، وقد نالت عندي ما نالت، وقد بايعت لولديها بإمرة المؤمنين من بعدي. فقلت: يا أمير المؤمنين

إن رسول الله قال: «إنهن يغلبن الكرام ويغلبهنّ اللئام».

وقال: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهله، وقد خلقت المرأة من ضلع أعوج إن قومته كسرته».

وحدثته في هذا الباب بكلام حضرني. فأمر لي بألفي دينار، فلما وافيت المنزل إذا رسول الخيزران قد لحقني بألفي دينار إلى عشرة دنانير، وإذا معه أثواب أخر، وبعثت تشكرني وتثنى على معروفا.

<<  <  ج: ص:  >  >>