بِاسْمِهِ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا وَقَالَ: نَحْنُ فِي كِفَايَةٍ وَجَزَاكَ اللَّهُ عَنْ قَصْدِكَ خَيْرًا. وَعَرَضَ عَلَيْهِ تَاجِرٌ آخَرُ ثَلَاثَةً آلَافِ دِينَارٍ فَامْتَنَعَ مِنْ قَبُولِهَا وَقَامَ وَتَرَكَهُ. وَنَفَدَتْ نَفَقَةُ أَحْمَدَ وَهُوَ فِي الْيَمَنِ فَعَرَضَ عَلَيْهِ شَيْخُهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِلْءَ كَفِّهِ دَنَانِيرَ فَقَالَ: نَحْنُ فِي كِفَايَةٍ وَلَمْ يَقْبَلْهَا. وَسُرِقَتْ ثِيَابُهُ وَهُوَ بِالْيَمَنِ فجلس في بيته ورد عليه الباب وفقده أَصْحَابُهُ فَجَاءُوا إِلَيْهِ فَسَأَلُوهُ فَأَخْبَرَهُمْ فَعَرَضُوا عَلَيْهِ ذهبا فلم يقبله ولم يأخذه مِنْهُمْ إِلَّا دِينَارًا وَاحِدًا لِيَكْتُبَ لَهُمْ بِهِ فَكَتَبَ لَهُمْ بِالْأَجْرِ رَحِمَهُ اللَّهُ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَتْ مَجَالِسُ أَحْمَدَ مَجَالِسَ الْآخِرَةِ لَا يُذْكَرُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا، وَمَا رَأَيْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ ذَكَرَ الدُّنْيَا قَطُّ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ أَحْمَدَ سُئِلَ عَنِ التَّوَكُّلِ فَقَالَ: هُوَ قَطْعُ الِاسْتِشْرَافِ بِالْيَأْسِ مِنَ النَّاسِ، فَقِيلَ لَهُ: هَلْ مِنْ حُجَّةٍ عَلَى هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ! إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَمَّا رُمِيَ بِهِ فِي النَّارِ فِي الْمِنْجَنِيقِ عَرَضَ لَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: هَلْ لَكَ مِنْ حَاجَةٍ؟ قَالَ: أَمَّا إِلَيْكَ فَلَا، قَالَ: فَسَلْ مَنْ لَكَ إِلَيْهِ حَاجَةٌ. فَقَالَ: أَحَبُّ الْأَمْرَيْنِ إِلَيَّ أَحَبُّهُمَا إِلَيْهِ.
وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ الصِّفَارِ قَالَ: كُنَّا مَعَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ بِسُرَّ مَنْ رَأَى فَقُلْنَا: ادْعُ اللَّهَ لَنَا فَقَالَ: اللَّهمّ إنك تعلم أنك عَلَى أَكْثَرَ مِمَّا نُحِبُّ فَاجْعَلْنَا عَلَى مَا تحب دائما. ثُمَّ سَكَتَ. فَقُلْنَا:
زِدْنَا فَقَالَ: اللَّهمّ إِنَّا نَسْأَلُكَ بِالْقُدْرَةِ الَّتِي قُلْتَ لِلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ (ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) اللَّهمّ وَفِّقْنَا لِمَرْضَاتِكَ، اللَّهمّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفَقْرِ إِلَّا إِلَيْكَ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الذُّلِّ إِلَّا لَكَ، اللَّهمّ لَا تُكْثِرْ لَنَا فَنَطْغَى وَلَا تُقِلَّ عَلَيْنَا فَنَنْسَى، وَهَبْ لَنَا مَنْ رَحِمَتِكَ وَسَعَةِ رِزْقِكَ مَا يَكُونُ بَلَاغًا لَنَا فِي دُنْيَانَا، وَغِنًى مِنْ فَضْلِكَ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَفِي حِكَايَةِ أَبِي الْفَضْلِ التَّمِيمِيِّ عَنْ أحمد: وكان يدعو فِي السُّجُودِ: اللَّهُمَّ مَنْ كَانَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى غَيْرِ الْحَقِّ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ عَلَى الْحَقِّ فَرُدَّهُ إِلَى الْحَقِّ لِيَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْحَقِّ. وَكَانَ يَقُولُ: اللَّهمّ إِنْ قَبِلْتَ عن عُصَاةِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِدَاءً فَاجْعَلْنِي فِدَاءً لَهُمْ. وَقَالَ صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ: كَانَ أَبِي لَا يَدَعُ أَحَدًا يَسْتَقِي لَهُ الْمَاءَ لِلْوُضُوءِ، بَلْ كَانَ يَلِي ذَلِكَ بِنَفْسِهِ، فَإِذَا خَرَجَ الدَّلْوُ مَلْآنَ قَالَ: الْحَمْدُ للَّه. فقلت: يا أبة ما الفائدة بذلك؟ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ اللَّهِ عز وجل أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ ٦٧: ٣٠ وَالْأَخْبَارُ عَنْهُ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ جِدًّا. وقد صنف أحمد فِي الزُّهْدِ كِتَابًا حَافِلًا عَظِيمًا لَمْ يُسْبَقْ إِلَى مِثْلِهِ، وَلَمْ يَلْحَقْهُ أَحَدٌ فِيهِ. وَالْمَظْنُونُ بل المقطوع به أنه إنما كان يأخذ بما أمكنه منه رحمه الله.
وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ: قَالَ لِي أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُرِيَنِي الْحَارِثَ الْمُحَاسِبِيَّ إِذَا جَاءَ مَنْزِلَكَ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ! وَفَرِحْتُ بِذَلِكَ، ثُمَّ ذَهَبْتُ إِلَى الْحَارِثِ فَقُلْتُ له: إني أحب أن تحضر الليلة عندي أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ. فَقَالَ: إِنَّهُمْ كَثِيرٌ فَأَحْضِرْ لَهُمُ التَّمْرَ وَالْكُسْبَ. فَلَمَّا كَانَ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ جَاءُوا وَكَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ قَدْ سَبَقَهُمْ فَجَلَسَ فِي غُرْفَةٍ بِحَيْثُ يَرَاهُمْ وَيَسْمَعُ كَلَامَهُمْ وَلَا يَرَوْنَهُ، فلما صلوا العشاء الآخرة لم يصلوا بعدها شيئا، بل جاءوا فجلسوا بين يدي الحارث سكوتا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute