للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قتلتهم على القثاء؟ فقال: والله ما كان هؤلاء الذين أخذوا القثاء، وإنما كانوا لصوصا قد قتلوا وأخذوا المال فوجب قتلهم، فبعثت فجئت بهم من السجن فقتلتهم وأريت الناس أنهم الذين أخذوا القثاء، وأردت بذلك أن أرهب الجيش لئلا يفسدوا في الأرض ويتعدوا على الناس ويكفوا عن الأذى.

ثم أمر بإخراج أولئك الذين أخذوا القثاء فأطلقهم بعد ما استتابهم وخلع عليهم وردهم إلى أرزاقهم.

قال ابن الجوزي: وخرج المعتضد يوما فعسكر بباب الشماسية ونهى أن يأخذ أحد من بستان أحد شيئا، فأتى بأسود قد أخذ عذقا من بسر فتأمله طويلا ثم أمر بضرب عنقه، ثم التفت إلى الأمراء فقال: العامة ينكرون هذا

ويقولون إن رسول الله قال: «لا قطع في ثمر ولا كثر». ولم يكفه أن يقطع يده حتى قتله، وإني لم أقتل هذا على سرقته، وإنما هذا الأسود رجل من الزنج كان قد استأمن في حياة أبى، وإنه تقاول هو ورجل من المسلمين فضرب المسلم فقطع يده فمات المسلم، فأهدر أبى دم الرجل المقتول تأليفا للزنج، فآليت على نفسي لئن أنا قدرت عليه لأقتلنه، فما قدرت عليه إلا هذه الساعة فقتلته بذلك الرجل.

وقال أبو بكر الخطيب: أخبرنا محمد بن أحمد بن يعقوب حدثنا محمد بن نعيم الضبيّ سمعت أبا الوليد حسان بن محمد الفقيه يقول سمعت أبا العباس بن سريج يقول سمعت إسماعيل بن إسحاق القاضي يقول: دخلت على المعتضد وعلى رأسه أحداث روم صباح الوجوه، فنظرت إليهم فرآني المعتضد وأنا أتأملهم، فلما أردت القيام أشار إلى فجلست ساعة فلما خلا قال لي: أيها القاضي والله ما حللت سراويلي على حرام قط. وروى البيهقي عن الحاكم عن حسان بن محمد عن ابن سريج القاضي إسماعيل بن إسحاق قال: دخلت يوما على المعتضد فدفع إلى كتابا فقرأته فإذا فيه الرخص من زلل العلماء قد جمعها له بعض الناس - فقلت: يا أمير المؤمنين إنما جمع هذا زنديق. فقال:

كيف؟ فقلت: إن من أباح المتعة لم يبيح الغناء، ومن أباح الغناء لم يبح إضافته إلى آلات اللهو، ومن جمع زلل العلماء ثم أخذ بها ذهب دينه. فأمر بتحريق ذلك الكتاب. وروى الخطيب بسنده عن صافى الجرمي الخادم قال: انتهى المعتضد وأنا بين يديه إلى منزل شعث وابنه المقتدر جعفر جالس فيه وحوله نحو من عشرة من الوصائف، والصبيان من أصحابه في سنة عنده، وبين يديه طبق من فضة فيه عنقود عنب، وكان العنب إذ ذاك عزيزا، وهو يأكل عنبة واحدة ثم يفرق على أصحابه من الصبيان كل واحد عنبة، فتركه المعتضد وجلس ناحية في بيت مهموما. فقلت له: مالك يا أمير المؤمنين؟ فقال: ويحك والله لولا النار والعار لأقتلن هذا الغلام، فان في قتله صلاحا للأمة. فقلت: أعيذك بالله يا أمير المؤمنين من ذلك. فقال: ويحك يا صافى هذا الغلام في غاية السخاء لما أراه يفعل مع الصبيان، فان طباع الصبيان تأبى الكرم، وهذا في غاية الكرم، وإن الناس من بعدي لا يولون عليهم إلا من

<<  <  ج: ص:  >  >>