المقاتلة وبقية الرجال، وسبى النساء والأطفال، وجعل جامعها اصطبلا لخيوله، وكسر منبرها، واستنكث مئذنتها بخيلة ورجله وطبوله. ولم يزل ذلك من دأبه وديدنه حتى سلط الله عليه زوجته فقتلته بجواريها في وسط مسكنه. وأرواح الله منه الإسلام وأهله، وأزاح عنهم قيام ذلك الغمام ومزق شمله، فلله النعمة والإفضال، وله الحمد على كل حال. واتفق في سنة وفاته موت صاحب القسطنطينية.
فتكاملت المسرات وحلصت الأمنية، فالحمد لله الّذي بنعمته تتم الصالحات وتذهب السيئات، وبرحمته تغفر الزلات.
والمقصود أن هذا اللعين - أعنى النقفور الملقب بالدمستق ملك الأرمن - كان قد أرسل قصيدة إلى الخليفة المطيع لله، نظمها له بعض كتابه ممن كان قد خذله الله وأذله، وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة وصرفه عن الإسلام وأصله. يفتخر فيها بهذا اللعين، ويتعرض لسب الإسلام والمسلمين، ويتوعد فيها أهل حوزة الإسلام بأنه سيملكها كلها حتى الحرمين الشريفين، عما قريب من الأعوام، وهو أقل وأذل وأخس وأضل من الأنعام، ويزعم أنه ينتصر لدين المسيح ﵇ ابن البتول. وربما يعرض فيها بجناب الرسول عليه من ربه التحية والاكرام، ودوام الصلاة مدى الأيام. ولم يبلغني عن أحد من أهل ذلك العصر أنه رد عليه جوابه، إما لأنها لم تشتهر، وإما لأنه أقل من أن يردوا خطابه لأنه كالمعاند الجاحد. ونفس ناظمها تدل على أنه شيطان مارد.
وقد انتخى للجواب عنها بعد ذلك أبو محمد بن حزم الظاهري: فأفاد وأجاد، وأجاب عن كل فصل باطل بالصواب والسداد، قبّل الله بالرحمة ثراه. وجعل الجنة متقلبه ومثواه.
وها أنا أذكر القصيدة الأرمنية المخذولة الملعونة، وأتبعها بالفريدة الإسلامية المنصورة الميمونة قال المرتد الكافر الأرمني على لسان ملكه لعنهما الله وأهل ملتهم أجمعين أكتعين أبتعين أبصعين آمين يا رب العالمين. ومن خط ابن عساكر كتبتها، وقد نقلوها من كتاب صلة الصلة للفرغانى:
من الملك الطهر المسيحي مالك … إلى خلف الأملاك من آل هاشم
إلى الملك الفضل المطيع أخى العلا … ومن يرتجى للمعضلات العظائم
أما سمعت أذناك ما أنا صانع … ولكن دهاك الوهن عن فعل حازم
فان تك عما قد تقلدت نائما … فانى عما همني غير نائم
ثغوركم لم يبق فيها - لوهنكم … وضعفكم - إلا رسوم المعالم
فتحنا الثغور الأرمنية كلها … بفتيان صدق كالليوث الضراغم
ونحن صلبنا الخيل تعلك لجمها … وتبلغ منها قضمها للشكائم
إلى كل ثغر بالجزيرة آهل … إلى جند قنسرينكم فالعواصم