الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ) والصحيح أن تعقيب كل شيء بحسبه لقوله ﴿فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً﴾ وكقوله ﴿ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ﴾ * ومعلوم أن بين كل حالين أربعين يوما كما ثبت في الحديث المتفق عليه.
قال محمد بن إسحاق شاع واشتهر في بنى إسرائيل أنها حامل فما دخل على أهل بيت ما دخل على آل بيت زكريا. قال واتهمها بعض الزنادقة بيوسف الّذي كان يتعبد معها في المسجد وتوارت عنهم مريم واعتزلتهم وانتبذت مكانا قصيا وقوله ﴿فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ أي فالجأها واضطرها الطلق الى جذع النخلة وهو بنص الحديث الّذي رواه النسائي باسناد لا بأس به عن أنس مرفوعا والبيهقي باسناد وصححه عن شداد بن أوس مرفوعا أيضا ببيت لحم الّذي بنى عليه بعض ملوك الروم فيما بعد على ما سنذكره هذا البناء المشاهد الهائل ﴿قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا﴾ فيه دليل على جواز تمنى الموت عند الفتن وذلك أنها علمت أن الناس يتهمونها ولا يصدقونها بل يكذبونها حين تأتيهم بغلام على يدها مع أنها قد كانت عندهم من العابدات الناسكات المجاورات في المسجد المنقطعات اليه المعتكفات فيه ومن بيت النبوة والديانة فحملت بسبب ذلك من الهم ما تمنت ان لو كانت ماتت قبل هذا الحال أو كانت ﴿نَسْياً مَنْسِيًّا﴾ أي لم تخلق بالكلية. وقوله ﴿فَناداها مِنْ تَحْتِها﴾ وقرئ من تحتها على الخفض وفي المضمر قولان أحدهما أنه جبريل قاله العوفيّ عن ابن عباس قال ولم يتكلم عيسى إلا بحضرة القوم وهكذا قال سعيد بن جبير وعمرو بن ميمون والضحاك والسدي وقتادة. وقال مجاهد والحسن وابن زيد وسعيد بن جبير في رواية هو ابنها عيسى واختاره ابن جرير. وقوله ﴿أَلاّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا﴾ قيل النهر واليه ذهب الجمهور. وجاء فيه حديث رواه الطبراني لكنه ضعيف واختاره ابن جرير وهو الصحيح وعن الحسن والربيع بن أنس وابن أسلم وغيرهم أنه ابنها والصحيح الأول لقوله ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا﴾ فذكر الطعام والشراب ولهذا قال ﴿فَكُلِي وَاِشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً﴾. ثم قيل كان جذع النخلة يابسا وقيل كانت نخلة مثمرة فالله أعلم. ويحتمل أنها كانت نخلة لكنها لم تكن مثمرة إذ ذاك لأن ميلاده كان في زمن الشتاء وليس ذاك وقت ثمر وقد يفهم ذلك من قوله تعالى على سبيل الامتنان ﴿تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا﴾. قال عمرو بن ميمون ليس شيء أجود للنفساء من التمر والرطب ثم تلا هذه الآية.
وقال ابن أبى حاتم حدثنا على بن الحسين حدثنا شيبان حدثنا مسرور بن سعيد التميمي حدثنا عبد الرحمن بن عمرو الأنصاري عن عروة بن رويم عن على بن أبى طالب قال قال رسول الله ﷺ (أكرموا عمتكم النخلة فإنها خلقت من الطين الّذي خلق منه آدم وليس من الشجر شيء يلقح غيرها وقال رسول الله ﷺ (أطعموا نساءكم الولد الرطب فان لم يكن رطب فتمر وليس من الشجر شجرة أكرم على الله من شجرة نزلت تحتها