عبد الله بن إدريس وقال الترمذي حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديثه
وفي رواية (ألا أخبرتهم أنهم كانوا يتسمون بأسماء صالحيهم وأنبيائهم) وذكر قتادة وغيره أنهم كانوا يكثرون من التسمية بهرون حتى قيل إنه حضر بعض جنائزهم بشر كثير منهم ممن يسمى بهرون أربعون ألفا فالله أعلم * والمقصود أنهم قالوا ﴿يا أُخْتَ هارُونَ﴾ ودل الحديث على أنها قد كان لها أخ نسبي اسمه هارون وكان مشهورا بالدين والصلاح والخير ولهذا قالوا ﴿ما كانَ أَبُوكِ اِمْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا﴾ أي لست من بيت هذا شيمتهم ولا سجيتهم لا أخوك ولا أمك ولا أبوك فاتهموها بالفاحشة العظمى ورموها بالداهية الدهياء فذكر ابن جرير في تأريخه أنهم اتهموا بها زكريا وأرادوا قتله ففر منهم فلحقوه وقد انشقت له الشجرة فدخلها وأمسك إبليس بطرف ردائه فنشروه فيها كما قدمنا، ومن المنافقين من اتهمها بابن خالها يوسف بن يعقوب النجار فلما ضاق الحال وانحصر المجال وامتنع المقال عظم التوكل على ذي الجلال ولم يبق إلا الإخلاص والاتكال ﴿فَأَشارَتْ إِلَيْهِ﴾ أي خاطبوه وكلموه فان جوابكم عليه وما تبغون من الكلام لديه. فعندها ﴿قالُوا﴾ من كان منهم جبارا شقيا ﴿كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا﴾ أي كيف تحيلينا في الجواب على صبي صغير لا يعقل الخطاب وهو مع ذلك رضيع في مهده ولا يميز بين محض وزبده وما هذا منك إلا على سبيل التهكم بنا والاستهزاء والتنقص لنا والازدراء إذ لا تردين علينا قولا نطقيا بل تحيلين في الجواب على من كان في المهد صبيا فعندها ﴿قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبّاراً شَقِيًّا * وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا﴾. هذا أول كلام تفوه به عيسى بن مريم فكان أول ما تكلم به أن ﴿قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ﴾ اعترف لربه تعالى بالعبودية وأن الله ربه فنزه جناب الله عن قول الظالمين في زعمهم انه ابن الله بل هو عبده ورسوله وابن أمته ثم برأ أمه مما نسبها اليه الجاهلون وقذفوها به ورموها بسببه بقوله ﴿آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا﴾ فان الله لا يعطى النبوة من هو كما زعموا لعنهم الله وقبحهم كما قال تعالى ﴿وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً﴾ وذلك أن طائفة من اليهود في ذلك الزمان قالوا إنها حملت به من زنا في زمن الحيض لعنهم الله فبرأها الله من ذلك وأخبر عنها أنها صديقة واتخذ ولدها نبيا مرسلا أحد أولى العزم الخمسة الكبار ولهذا قال ﴿وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ﴾ وذلك أنه حيث كان دعا إلى عبادة الله وحده لا شريك له ونزه جنابه عن النقص والعيب من اتخاذ الولد والصاحبة تعالى وتقدس ﴿وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا﴾ وهذه وظيفة العبيد في القيام بحق العزيز الحميد بالصلاة والإحسان إلى الخليقة بالزكاة وهي تشتمل على طهارة النفوس من الأخلاق الرذيلة وتطهير الأموال الجزيلة بالعطية للمحاويج على اختلاف الأصناف وقرى الأضياف والنفقات على الزوجات والأرقاء والقرابات وسائر وجوه الطاعات وأنواع القربات. ثم قال ﴿وَبَرًّا بِوالِدَتِي﴾