للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والرجال، وكثيرا من النساء والأطفال، وأتلفوا ما فيه بالنهب إن احتاجوا إليه، وبالحريق إن لم يحتاجوا إليه، حتى أنهم كانوا يجمعون الحرير الكثير الّذي يعجزون عن حمله فيطلقون فيه النار وهم ينظرون إليه، ويخربون المنازل وما عجزوا عن تخريبه يحرقوه، وأكثر ما يحرقون المساجد والجوامع، وكانوا يأخذون الأسارى من المسلمين فيقاتلون بهم ويحاصرون بهم، وإن لم ينصحوا في القتال قتلوهم. وقد بسط ابن الأثير في كامله خبرهم في هذه السنة بسطا حسنا مفصلا، وقدم على ذلك كلاما هائلا في تعظيم هذا الخطب العجيب، قال فنقول: هذا فصل يتضمن ذكر الحادثة العظمى والمصيبة الكبرى التي عقمت الليالي والأيام عن مثلها، عمت الخلائق وخصت المسلمين، فلو قال قائل إن العالم منذ خلق الله آدم وإلى الآن لم يبتلوا بمثلها لكان صادقا، فان التواريخ لم تتضمن ما يقاربها ولا يدانيها، ومن أعظم ما يذكرون من الحوادث ما فعل نصر ببني إسرائيل من القتل وتخريب بيت المقدس، وما البيت المقدس بالنسبة إلى ما خرب هؤلاء الملاعين من البلاد التي كل مدينة منها أضعاف البيت المقدس، وما بنو إسرائيل بالنسبة لما قتلوا، فان أهل مدينة واحدة ممن قتلوا أكثر من بنى إسرائيل، ولعل الخلائق لا يرون مثل هذه الحادثة إلى أن ينقرض العالم وتفنى الدنيا إلا يأجوج ومأجوج، وأما الدجال فإنه يبقى على من اتبعه ويهلك من خالفه، وهؤلاء لم يبقوا على أحد، بل قتلوا الرجال والنساء والأطفال، وشقوا بطون الحوامل وقتلوا الأجنة. ف ﴿إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ﴾، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، لهذه الحادثة التي استطار شررها وعم ضررها، وسارت في البلاد كالسحاب استدبرته الريح، فان قوما خرجوا من أطراف الصين فقصدوا بلاد تركستان مثل كاشغر وبلاساغون، ثم منها إلى بلاد ما وراء النهر مثل سمرقند وبخارا وغيرهما، فيملكونها ويفعلون بأهلها ما نذكره، ثم تعبر طائفة منهم إلى خراسان فيفرغون منها ملكا وتخريبا وقتلا ونهبا، ثم يجاوزونها إلى الري وهمذان وبلد الجبل وما فيه من البلاد إلى حد العراق، ثم يقصدون بلاد أذربيجان وأرانية ويخربونه ويقتلون أكثر أهلها ولم ينج منهم إلا الشريد النادر في أقل من سنة، هذا ما لم يسمع بمثله، ثم ساروا إلى دربند شروان فملكوا مدنه ولم يسلم غير قلعته التي بها ملكهم، وعبروا عندها إلى بلد اللان اللكز ومن في ذلك الصقع من الأمم المختلفة، فأوسعوهم قتلا ونهبا وتخريبا، ثم قصدوا بلاد قفجاق وهم من أكثر الترك عددا فقتلوا كل من وقف لهم وهرب الباقون إلى الغياض وملكوا عليهم بلادهم، وسارت طائفة أخرى إلى غزنة وأعمالها وما يجاورها من بلاد الهند وسجستان وكرمان ففعلوا فيها مثل أفعال هؤلاء وأشد، هذا ما لم يطرق الأسماع مثله، فان الإسكندر الّذي اتفق المؤرخون على أنه ملك الدنيا لم يملكها في سنة واحدة، إنما ملكها في نحو عشر سنين، ولم يقتل أحدا بل رضى من الناس بالطاعة وهؤلاء قد

<<  <  ج: ص:  >  >>