ألف دينار، وألف حمل من الأطلس وغيره وعشرون أَلْفَ فَرَسٍ وَبَغْلٍ، وَمِنَ الْغِلْمَانِ وَالْجَوَارِي وَالْخِيَامِ شَيْئًا كَثِيرًا، وَكَانَ لَهُ عَشَرَةُ آلَافِ مَمْلُوكٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِثْلُ مَلِكٍ، فَتَمَزَّقَ ذَلِكَ كُلُّهُ، وَقَدْ كَانَ خُوَارَزْمُ شَاهْ فَقِيهًا حَنَفِيًّا فَاضِلًا لَهُ مُشَارَكَاتٌ فِي فُنُونٍ مِنَ الْعِلْمِ، يَفْهَمُ جَيِّدًا، وَمَلَكَ بِلَادًا مُتَّسِعَةً وَمَمَالِكَ مُتَعَدِّدَةً إِحْدَى وَعِشْرِينَ سَنَةً وَشُهُورًا، وَلَمْ يَكُنْ بَعْدَ مُلُوكِ بنى سلجوق أكثر حرمة منه وَلَا أَعْظَمُ مُلْكًا مِنْهُ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا كَانَتْ هِمَّتُهُ فِي الْمُلْكِ لَا فِي اللَّذَّاتِ وَالشَّهَوَاتِ، وَلِذَلِكَ قَهَرَ الْمُلُوكَ بِتِلْكَ الْأَرَاضِي وَأَحَلَّ بِالْخِطَا بَأْسًا شَدِيدًا، حَتَّى لَمْ يَبْقَ بِبِلَادِ خُرَاسَانَ وما وراء النهر وعراق الْعَجَمِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْمَمَالِكِ سُلْطَانٌ سِوَاهُ، وَجَمِيعُ البلاد تحت أيدي نُوَّابِهِ. ثُمَّ سَارُوا إِلَى مَازَنْدَرَانَ وَقِلَاعُهَا مِنْ أمنع القلاع، بحيث إن المسلمين لم يفتحوها إلا في سنة تسعين من أَيَّامِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَفَتَحَهَا هَؤُلَاءِ فِي أَيْسَرِ مُدَّةٍ وَنَهَبُوا مَا فِيهَا وَقَتَلُوا أهاليها كلهم وَسَبَوْا وَأَحْرَقُوا، ثُمَّ تَرَحَّلُوا عَنْهَا نَحْوَ الرَّيِّ فَوَجَدُوا فِي الطَّرِيقِ أُمَّ خُوَارَزْمَ شَاهْ وَمَعَهَا أَمْوَالٌ عَظِيمَةٌ جِدًّا، فَأَخَذُوهَا وَفِيهَا كُلُّ غَرِيبٍ وَنَفِيسٍ مِمَّا لَمْ يُشَاهَدْ مِثْلُهُ مِنَ الْجَوَاهِرِ وَغَيْرِهَا، ثُمَّ قَصَدُوا الرَّيَّ فَدَخَلُوهَا عَلَى حِينِ غفلة من أهلها فقتلوهم وسبوا وأسروا، ثُمَّ سَارُوا إِلَى هَمَذَانَ فَمَلَكُوهَا ثُمَّ إِلَى زَنْجَانَ فَقَتَلُوا وَسَبَوْا، ثُمَّ قَصَدُوا قَزْوِينَ فَنَهَبُوهَا وَقَتَلُوا مِنْ أَهْلِهَا نَحْوًا مِنْ أَرْبَعِينَ أَلْفًا، ثم تيمموا بلاد أذربيجان فصالحهم ملكها أزبك بْنُ الْبَهْلَوَانِ عَلَى مَالٍ حَمَلَهُ إِلَيْهِمْ لِشُغْلِهِ بِمَا هُوَ فِيهِ مِنَ السُّكْرِ وَارْتِكَابِ السَّيِّئَاتِ وَالِانْهِمَاكِ عَلَى الشَّهَوَاتِ، فَتَرَكُوهُ وَسَارُوا إِلَى مُوقَانَ فَقَاتَلَهُمُ الْكُرْجُ فِي عَشَرَةِ آلَافِ مُقَاتِلٍ فَلَمْ يَقِفُوا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى انْهَزَمَتِ الْكُرْجُ فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِمْ بِحَدِّهِمْ وَحَدِيدِهِمْ، فَكَسَرَتْهُمُ التَّتَارُ وقعة ثانية أقبح هزيمة وَأَشْنَعَهَا. وَهَاهُنَا قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: وَلَقَدْ جَرَى لِهَؤُلَاءِ التَّتَرِ مَا لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهِ مِنْ قَدِيمِ الزَّمَانِ وَحَدِيثِهِ: طَائِفَةٌ تَخْرُجُ مِنْ حُدُودِ الصِّينِ لَا تَنْقَضِي عَلَيْهِمْ سَنَةٌ حَتَّى يَصِلَ بَعْضُهُمْ إِلَى حُدُودِ بِلَادِ أَرْمِينِيَّةَ مِنْ هَذِهِ النَّاحِيَةِ وَيُجَاوِزُونَ الْعِرَاقَ مِنْ نَاحِيَةِ هَمَذَانَ وتاللَّه لَا أَشُكُّ أَنَّ مَنْ يَجِيءُ بَعْدَنَا إِذَا بَعُدَ الْعَهْدُ وَيَرَى هَذِهِ الْحَادِثَةَ مَسْطُورَةً يُنْكِرُهَا وَيَسْتَبْعِدُهَا، وَالْحَقُّ بِيَدِهِ، فَمَتَى اسْتَبْعَدَ ذَلِكَ فَلْيَنْظُرْ أَنَّنَا سَطَرْنَا نَحْنُ وَكُلُّ مَنْ جَمَعَ التَّارِيخَ فِي أَزَمَانِنَا هَذِهِ فِي وَقْتٍ كُلُّ مَنْ فِيهِ يَعْلَمُ هَذِهِ الْحَادِثَةَ، قَدِ اسْتَوَى فِي مَعْرِفَتِهَا الْعَالِمُ وَالْجَاهِلُ لِشُهْرَتِهَا، يَسَّرَ اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْإِسْلَامِ مَنْ يَحْفَظُهُمْ وَيَحُوطُهُمْ، فَلَقَدْ دُفِعُوا مِنَ العدو إلى أمر عَظِيمٍ، وَمِنَ الْمُلُوكِ الْمُسْلِمِينَ إِلَى مَنْ لَا تَتَعَدَّى هِمَّتُهُ بَطْنَهُ وَفَرْجَهُ، وَقَدْ عُدِمَ سُلْطَانُ الْمُسْلِمِينَ خُوَارَزْمُ شَاهْ. قَالَ: وَانْقَضَتْ هَذِهِ السَّنَةُ وَهُمْ فِي بِلَادِ الْكُرْجِ، فَلَمَّا رَأَوْا مِنْهُمْ مُمَانَعَةً وَمُقَاتَلَةً يَطُولُ عَلَيْهِمْ بِهَا الْمَطَالُ عَدَلُوا إِلَى غَيْرِهِمْ، وَكَذَلِكَ كَانَتْ عَادَتُهُمْ فَسَارُوا إِلَى تِبْرِيزَ فَصَالَحَهُمْ أَهْلُهَا بِمَالٍ. ثُمَّ سَارُوا إِلَى مَرَاغَةَ فَحَصَرُوهَا وَنَصَبُوا عَلَيْهَا الْمَجَانِيقَ وَتَتَرَّسُوا بِالْأُسَارَى من المسلمين، وعلى البلد امرأة- ولن يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً- فَفَتَحُوا الْبَلَدَ بَعْدَ أَيَّامٍ وَقَتَلُوا مِنْ أَهْلِهِ خَلْقًا لَا يَعْلَمُ عِدَّتَهُمْ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَغَنِمُوا مِنْهُ شَيْئًا كَثِيرًا، وَسَبَوْا وَأَسَرُوا عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute