عَادَتِهِمْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ لَعْنَةً تُدْخِلُهُمْ نَارَ جَهَنَّمَ، وَقَدْ كَانَ النَّاسُ يَخَافُونَ مِنْهُمْ خَوْفًا عَظِيمًا جِدًّا حَتَّى إِنَّهُ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ إِلَى دَرْبٍ مِنْ هَذِهِ الْبَلَدِ وَبِهِ مِائَةُ رَجُلٍ لَمْ يَسْتَطِعْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ، وَمَا زَالَ يَقْتُلُهُمْ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ حَتَّى قُتِلَ الْجَمِيعُ وَلَمْ يَرْفَعْ مِنْهُمْ أَحَدٌ يَدَهُ إِلَيْهِ، وَنَهَبَ ذَلِكَ الدَّرْبَ وَحْدَهُ. وَدَخَلَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُمْ فِي زِيِّ رَجُلٍ [بَيْتًا] فَقَتَلَتْ كُلَّ مَنْ فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ وَحْدَهَا ثُمَّ اسْتَشْعَرَ أَسِيرٌ مَعَهَا أَنَّهَا امْرَأَةٌ فَقَتَلَهَا لَعَنَهَا اللَّهُ، ثُمَّ قَصَدُوا مَدِينَةَ إِرْبِلَ فَضَاقَ الْمُسْلِمُونَ لِذَلِكَ ذَرْعًا وَقَالَ أَهْلُ تِلْكَ النَّوَاحِي هَذَا أَمْرٌ عَصِيبٌ، وَكَتَبَ الْخَلِيفَةُ إِلَى أَهْلِ الْمَوْصِلِ وَالْمَلِكِ الْأَشْرَفِ صَاحِبِ الْجَزِيرَةِ يَقُولُ إِنِّي قَدْ جَهَّزْتُ عسكرا فكونوا معه لقتال هؤلاء التتار، فَأَرْسَلَ الْأَشْرَفُ يَعْتَذِرُ إِلَى الْخَلِيفَةِ بِأَنَّهُ مُتَوَجِّهٌ نَحْوَ أَخِيهِ الْكَامِلِ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ بِسَبَبِ ما قددهم المسلمين هناك من الفرنج، وأخذهم دمياط الّذي قَدْ أَشْرَفُوا بِأَخْذِهِمْ لَهَا عَلَى أَخْذِ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ قَاطِبَةً، وَكَانَ أَخُوهُ الْمُعَظَّمُ قَدْ قَدِمَ على والى حَرَّانَ يَسْتَنْجِدُهُ لِأَخِيهِمَا الْكَامِلِ لِيَتَحَاجَزُوا الْفِرِنْجَ بِدِمْيَاطَ وَهُوَ عَلَى أُهْبَةِ الْمَسِيرِ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، فَكَتَبَ الْخَلِيفَةُ إِلَى مُظَفَّرِ الدِّينِ صَاحِبِ إِرْبِلَ لِيَكُونَ هُوَ الْمُقَدَّمَ عَلَى الْعَسَاكِرِ الَّتِي يَبْعَثُهَا الْخَلِيفَةُ وَهِيَ عَشَرَةُ آلَافِ مُقَاتِلٍ، فَلَمْ يَقْدِمْ عليه منهم ثَمَانِمِائَةِ فَارِسٍ ثُمَّ تَفَرَّقُوا قَبْلَ أَنْ يَجْتَمِعُوا، ف إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ٢: ١٥٦، وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ بِأَنْ صَرَفَ هِمَّةَ التَّتَارِ إِلَى نَاحِيَةِ هَمَذَانَ فصالحهم أهلها وترك عندهم التتار شحنة، ثم اتفقوا على قتل شِحْنَتِهِمْ فَرَجَعُوا إِلَيْهِمْ فَحَاصَرُوهُمْ حَتَّى فَتَحُوهَا قَسْرًا وَقَتَلُوا أَهْلَهَا عَنْ آخِرِهِمْ، ثُمَّ سَارُوا إِلَى أَذْرَبِيجَانَ فَفَتَحُوا أَرْدَبِيلَ ثُمَّ تِبْرِيزَ ثُمَّ إِلَى بَيْلَقَانَ فَقَتَلُوا مِنْ أَهْلِهَا خَلْقًا كَثِيرًا وَجَمًّا غَفِيرًا، وَحَرَّقُوهَا وَكَانُوا يَفْجُرُونَ بِالنِّسَاءِ ثُمَّ يَقْتُلُونَهُنَّ وَيَشُقُّونَ بُطُونَهُنَّ عَنِ الْأَجِنَّةِ ثُمَّ عَادُوا إِلَى بِلَادِ الْكُرْجِ وَقَدِ اسْتَعَدَّتْ لَهُمُ الْكُرْجُ فَاقْتَتَلُوا مَعَهُمْ فَكَسَرُوهُمْ أَيْضًا كَسْرَةً فَظِيعَةً، ثُمَّ فَتَحُوا بُلْدَانًا كَثِيرَةً يَقْتُلُونَ أَهْلَهَا وَيَسْبُونَ نِسَاءَهَا وَيَأْسِرُونَ مِنَ الرِّجَالِ مَا يُقَاتِلُونَ بِهِمُ الْحُصُونَ، يَجْعَلُونَهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ تُرْسًا يَتَّقُونَ بِهِمُ الرَّمْيَ وَغَيْرَهُ، وَمَنْ سَلِمَ مِنْهُمْ قَتَلُوهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ، ثم ساروا إلى بلاد اللان والقبجاق فَاقْتَتَلُوا مَعَهُمْ قِتَالًا عَظِيمًا فَكَسَرُوهُمْ وَقَصَدُوا أَكْبَرَ مدائن القبجاق وَهِيَ مَدِينَةُ سُودَاقَ وَفِيهَا مِنَ الْأَمْتِعَةِ وَالثِّيَابِ والتجائر من البرطاسي والقندر والسنجاب شيء كثير جدا، ولجأت القبجاق إِلَى بِلَادِ الرُّوسِ وَكَانُوا نَصَارَى فَاتَّفَقُوا مَعَهُمْ عَلَى قِتَالِ التَّتَارِ فَالْتَقَوْا مَعَهُمْ فَكَسَرَتْهُمُ التَّتَارُ كسرة فظيعة جدا، ثم ساروا نحو بلقار فِي حُدُودِ الْعِشْرِينَ وَسِتِّمِائَةٍ فَفَرَغُوا مِنْ ذَلِكَ كله ورجعوا نَحْوِ مَلِكِهِمْ جِنْكِزْخَانَ لَعَنَهُ اللَّهُ وَإِيَّاهُمْ. هَذَا ما فعلته هذه السرية المغرّية، وَكَانَ جِنْكِزْخَانُ قَدْ أَرْسَلَ سَرَيَّةً فِي هَذِهِ السنة إلى كلانة وَأُخْرَى إِلَى فَرْغَانَةَ فَمَلَكُوهَا، وَجَهَّزَ جَيْشًا آخَرَ نَحْوَ خُرَاسَانَ فَحَاصَرُوا بَلْخَ فَصَالَحَهُمْ أَهْلُهَا، وَكَذَلِكَ صَالَحُوا مُدُنًا كَثِيرَةً أُخْرَى، حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى الطَّالَقَانِ فَأَعْجَزَتْهُمْ قَلْعَتُهَا وَكَانَتْ حَصِينَةً فَحَاصَرُوهَا سِتَّةَ أَشْهُرٍ حَتَّى عَجَزُوا فَكَتَبُوا إِلَى جِنْكِزْخَانَ فَقَدِمَ بِنَفْسِهِ فَحَاصَرَهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute