الأمير سيف الدين تغردمر الحموي بعد العصر الخامس عشرينه من حلب، فتلقاه الأمراء إلى طريق القابون، ودعا له الناس دعاء كثيرا، وأحبوه لبغضهم النائب الّذي كان قبله، وهو علاء الدين آيدغمش سامحه الله تعالى، فنزل بدار السعادة وحضر الموكب صبيحة يوم الاثنين، واجتمع طائفة من العامة وسألوه أن لا يغير عليهم خطيبهم تاج الدين عبد الرحيم ابن جلال الدين، فلم يلتفت إليهم، بل عمل على تقليد القاضي تقى الدين السبكى الخطابة ولبس الخلعة، وأكثر العوام لما سمعوا بذلك الغوغاء، وصاروا يجتمعون حلقا حلقا بعد الصلوات ويكثرون الفرحة في ذلك، لما منع ابن الجلال، ولكن بقي هذا لم يباشر السبكى في المحراب، واشتهر عن العوام كلام كثير، وتوعدوا السبكى بالسفاهة عليه إن خطب، وضاق بذلك ذرعا، ونهوا عن ذلك فلم ينتهوا، وقيل لهم ولكثير منهم: الواجب عليكم السمع والطاعة لأولى الأمر، ولو أمر عليكم عبد حبشي. فلم يرعووا، فلما كان يوم الجمعة العشرين منه اشتهر بين العامة بأن القاضي نزل عن الخطابة لابن الجلال، ففرح العوام بذلك وحشدوا في الجامع، وجاء نائب السلطنة إلى المقصورة والأمراء معه، وخطب ابن الجلال على العادة، وفرح الناس بذلك وأكثروا من الكلام والهرج، ولما سلم عليهم الخطيب حين صعد ردوا عليه ردا بليغا، وتكلفوا في ذلك وأظهروا بغضة القاضي السبكى، وتجاهروا بذلك، وأسمعوه كلاما كثيرا، ولما قضيت الصلاة قرئ تقليد النيابة على السدة، وخرج الناس فرحى بخطيبهم، لكونه استمر عليهم، واجتمعوا عليه يسلمون ويدعون له.
وفي يوم الأربعاء ثالث شعبان درس القاضي برهان الدين بن عبد الحق بالمدرسة العذراوية بمرسوم سلطاني بتوليته وعزل القفجارى، وعقد لهما مجلس يوم الثلاثاء بدار العدل، فرجح جانب القاضي برهان الدين لحاجته وكونه لا وظيفة له.
وفي يوم الجمعة خامسه توفى الشيخ الصالح شهاب الدين أحمد ابن الجزري أحد المسندين المكثرين الصالحين، مات عن خمس وتسعين سنة ﵀، وصلى عليه يوم الجمعة بالجامع المظفري ودفن بالرواحية. وفي يوم الأربعاء السابع عشر منه توفى الشيخ الامام العالم العابد الناسك الصالح الشيخ شمس الدين محمد بن الزرير خطيب الجامع الكريمي بالقبيبات، وصلى عليه بعد الظهر يومئذ بالجامع المذكور، ودفن قبلي الجامع المذكور، إلى جانب الطريق من الشرق ﵀.
واشتهر في أوائل رمضان أن مولودا ولد له رأسان وأربع أيد، وأحضر إلى بين يدي نائب السلطنة، وذهب الناس للنظر إليه في محلة ظاهر باب الفراديس، يقال لها حكى الوزير، وكنت فيمن ذهب إليه في جماعة من الفقهاء يوم الخميس ثالث الشهر المذكور بعد العصر، فأحضره أبوه - واسم أبيه سعادة - وهو رجل من أهل الجبل، فنظرت إليه فإذا هما ولدان مستقلان، فكل قد اشتبكت