القاضي شرف الدين الحنبلي في حلقة الثلثاء عِوَضًا عَنِ الْقَاضِي تَقِيِّ الدِّينِ بْنِ الْحَافِظِ رحمه الله، وحضر عنده القضاء وَالْفُضَلَاءُ، وَكَانَ دَرْسًا حَسَنًا أَخَذَ فِي قَوْلِهِ تعالى. إِنَّ الله يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ ١٦: ٩٠ وَخَرَجَ إِلَى مَسْأَلَةِ تَفْضِيلِ بَعْضِ الْأَوْلَادِ. وَفِي يوم الخميس ثانى شهر جُمَادَى الْأُولَى خَرَجَتِ التَّجْرِيدَةُ إِلَى الْكَرَكِ مُقَدَّمَانِ مِنَ الْأُمَرَاءِ، وَهُمَا الْأَمِيرُ شِهَابُ الدِّينِ بْنُ صُبْحٍ، وَالْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ قَلَاوُونُ، فِي أُبَّهَةٍ عظيمة وتجمل وجيوش وبقارات، وَإِزْعَاجٍ كَثِيرَةٍ.
وَفِي صَبِيحَةِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ الْحَادِي والعشرين منه قتل بسوق الخيل حسن بن الشيخ السَّكَاكِينِيِّ عَلَى مَا ظَهَرَ مِنْهُ مِنَ الرَّفْضِ الدَّالِّ عَلَى الْكُفْرِ الْمَحْضِ، شُهِدَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْقَاضِي شَرَفِ الدِّينِ الْمَالِكِيِّ بِشَهَادَاتٍ كَثِيرَةٍ تَدُلُّ عَلَى كُفْرِهِ، وَأَنَّهُ رَافِضِيٌّ جَلْدٌ، فَمِنْ ذَلِكَ تَكْفِيرُ الشَّيْخَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَقَذْفُهُ أُمَّيِ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَزَعَمَ أَنَّ جِبْرِيلَ غَلِطَ فَأَوْحَى إِلَى مُحَمَّدٍ، وَإِنَّمَا كَانَ مُرْسَلًا إِلَى عَلِيٍّ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَقْوَالِ الْبَاطِلَةِ الْقَبِيحَةِ قَبَّحَهُ اللَّهُ، وَقَدْ فَعَلَ. وَكَانَ وَالِدُهُ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ السَّكَاكِينِيُّ يَعْرِفُ مَذْهَبَ الرَّافِضَةِ وَالشِّيعَةِ جَيِّدًا، وَكَانَتْ لَهُ أَسْئِلَةٌ عَلَى مذهب أهل الخير، وَنَظَمَ فِي ذَلِكَ قَصِيدَةً أَجَابَهُ فِيهَا شَيْخُنَا الامام العلامة شيخ الإسلام بن تَيْمِيَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّيْخِ أَنَّ السَّكَاكِينِيَّ مَا مَاتَ حَتَّى رَجَعَ عَنْ مَذْهَبِهِ، وَصَارَ إِلَى قَوْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ فاللَّه أَعْلَمُ.
وَأُخْبِرْتُ أَنَّ وَلَدَهُ حَسَنًا هَذَا الْقَبِيحَ كَانَ قَدْ أَرَادَ قَتْلَ أَبِيهِ لَمَّا أَظْهَرَ السُّنَّةَ.
وَفِي لَيْلَةِ الِاثْنَيْنِ خَامِسِ شَهْرِ رَجَبٍ وَصَلَ بَدَنُ الْأَمِيرِ سَيْفِ الدِّينِ تَنْكِزَ نَائِبِ الشَّامِ كَانَ إِلَى تُرْبَتِهِ الَّتِي إِلَى جَانِبِ جَامِعِهِ الَّذِي أَنْشَأَهُ ظَاهِرَ بَابِ النَّصْرِ بِدِمَشْقَ، نُقِلَ مِنَ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ بَعْدَ ثَلَاثِ سِنِينَ وَنِصْفٍ أَوْ أَكْثَرَ، بِشَفَاعَةِ ابْنَتِهِ زَوْجَةِ النَّاصِرِ عِنْدَ وَلَدِهِ السُّلْطَانِ الْمَلِكِ الصَّالِحِ، فَأُذِنَ فِي ذَلِكَ وَأَرَادُوا أَنْ يُدْفَنَ بِمَدْرَسَتِهِ بِالْقُدْسِ الشَّرِيفِ، فَلَمْ يُمْكِنْ، فَجِيءَ بِهِ إِلَى تُرْبَتِهِ بِدِمَشْقَ وَعُمِلَتْ لَهُ الْخِتَمُ وَحَضَرَ الْقُضَاةُ وَالْأَعْيَانُ رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَفِي يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ حَادِيَ عَشَرَ شَعْبَانَ الْمُبَارَكِ تُوُفِّيَ صَاحِبُنَا الْأَمِيرُ صَلَاحُ الدِّينِ يُوسُفُ التِّكْرِيتِيُّ ابْنُ أَخِي الصَّاحِبِ تَقِيِّ الدِّينِ بن توبة الوزير، بمنزله بالقصاعين، وكان شَابًّا مِنْ أَبْنَاءِ الْأَرْبَعِينَ، ذَا ذَكَاءٍ وَفِطْنَةٍ وَكَلَامٍ وَبَصِيرَةٍ جَيِّدَةٍ، وَكَانَ كَثِيرَ الْمَحَبَّةِ إِلَى الشيخ تقى الدين بن تَيْمِيَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَلِأَصْحَابِهِ خُصُوصًا، وَلِكُلِّ مَنْ يَرَاهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عُمُومًا، وَكَانَ فِيهِ إِيثَارٌ وَإِحْسَانٌ وَمَحَبَّةُ الْفُقَرَاءِ وَالصَّالِحِينَ، وَدُفِنَ بِتُرْبَتِهِمْ بسفح قاسيون رحمه الله، وفي يوم السبت الخامس عشر منه جَاءَتْ زَلْزَلَةٌ بِدِمَشْقَ لَمْ يَشْعُرْ بِهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ لِخِفَّتِهَا وللَّه الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ، ثُمَّ تَوَاتَرَتِ الْأَخْبَارُ بِأَنَّهَا شَعَّثَتْ فِي بِلَادِ حَلَبَ شَيْئًا كَثِيرًا مِنَ الْعُمْرَانِ حَتَّى سَقَطَ بَعْضُ الْأَبْرَاجِ بِقَلْعَةِ حَلَبَ، وَكَثِيرٌ مِنْ دُورِهَا وَمَسَاجِدِهَا وَمَشَاهِدِهَا وَجُدْرَانِهَا، وَأَمَّا فِي الْقِلَاعِ حَوْلَهَا فَكَثِيرٌ جِدًّا، وَذَكَرُوا أَنَّ مَدِينَةَ مَنْبِجَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute