فيها ولها، وتعجب الناس من هذا الاتفاق في هذا الحال، حيث لم يتفق ذلك لأحد من النواب قبله قط، وفتح الباب الّذي هو تجاه دار السعادة وجعل نائب السلطنة يدخل منه إلى القلعة ويخرج بخدمه وحشمه وأبهته يكشف أمرها وينظر في مصالحها أيده الله.
ولما كان يوم السبت خامس عشر شعبان ركب في الموكب على العادة واستدعى الأمير سيف الدين استدمر الّذي كان نائب الشام، وهو في منزله كالمعتقل فيه، لا يركب ولا يراه أحد، فأحضره إليه وركب معه، وكذلك الأمراء الذين قدموا من الديار المصرية: طبترق، وهو أحد أمراء الألوف وطيدمر الحاجب، كان، وأما ابن صبح وعمر شاه فإنهما كانا قد سافرا يوم الجمعة عشية النهار، والمقصود أنه سيرهم وجميع الأمراء بسوق الخيل، ونزل بهم كلهم إلى دار السعادة فتعاهدوا وتعاقدوا واتفقوا على أن يكونوا كلهم كتفا واحدا، وعصبة واحدة على مخالفة من أرادهم بسوء وأنهم يد على من سواهم ممن أراد عزل أحد منهم أو قتله، وأن من قاتلهم قاتلوه، وأن السلطان هو ابن أستاذهم الملك المنصور بن حاجي بن الناصر بن المنصور قلاوون، فطاوعوا كلهم لنائب السلطنة على ما أراد من ذلك، وحلفوا له وخرجوا من عنده على هذا الحلف، وقام نائب السلطنة على عادته في عظمة هائلة، وأبهة كثيرة، والمسئول من الله حسن العاقبة.
وفي صبيحة يوم الأحد سادس عشر شعبان أبطل ملك الأمراء المكس الّذي يؤخذ من الملح وأبطل مكس الأفراح، وأبطل أن لا تغني امرأة لرجال، ولا رجل لنساء، وهذا في غاية ما يكون من المصلحة العظيمة الشامل نفعها. وفي يوم الثلاثاء ثامن عشره شرع نائب السلطنة سيف الدين بيدمر في نصب مجانيق على أعالى بروج القلعة، فنصبت أربع مجانيق من جهاتها الأربع، وبلغني أنه نصب آخر في أرضها عند البحرة، ثم نصب آخر وآخر حتى شاهد الناس ستة مجانيق على ظهور الأبرجة، وأخرج منها القلعية وأسكنها خلقا من الأكراد والتركمان وغيرهم من الرجال الأنجاد، ونقل إليها من الغلات والأطعمة والأمتعة وآلات الحرب شيئا كثيرا، واستعد للحصار إن حوصر فيها بما يحتاج إليه من جميع ما يرصد من القلاع، بما يفوت الحصر. ولما شاهد أهل البساتين المجانيق قد نصبت في القلعة انزعجوا وانتقل أكثرهم من البساتين إلى البلد، ومنهم من أودع عند أهل البلد نفائس أموالهم وأمتعتهم، والعاقبة إلى خير إن شاء الله تعالى.
وجاءتني فتيا صورتها: ما تقول السادة العلماء في ملك اشترى غلاما فأحسن إليه وأعطاه وقدمه، ثم إنه وثب على سيده فقتله وأخذ ماله ومنع ورثته منه، وتصرف في المملكة، وأرسل إلى بعض نواب البلاد ليقدم عليه ليقتله، فهل له الامتناع منه؟ وهل إذا قاتل دون نفسه وماله حتى يقتل يكون شهيدا أم لا؟ وهل يثاب الساعي في خلاص حق ورثة الملك المقتول من القصاص والمال؟ أفتونا مأجورين.