فَلَمَّا قَدِمَ مَآبَ مِنْ أَرْضِ الْبَلْقَاءِ وَبِهَا يَوْمَئِذٍ الْعَمَالِيقُ وَهُمْ وَلَدُ عِمْلَاقٍ وَيُقَالُ وَلَدُ عمليق بن لاوذ بن سام ابن نُوحٍ رَآهُمْ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ فَقَالَ لَهُمْ مَا هَذِهِ الْأَصْنَامُ الَّتِي أَرَاكُمْ تَعْبُدُونَ؟ قَالُوا لَهُ: هَذِهِ أَصْنَامٌ نَعْبُدُهَا فَنَسْتَمْطِرُهَا فَتُمْطِرُنَا وَنَسْتَنْصِرُهَا فَتَنْصُرُنَا. فَقَالَ: لَهُمْ أَلَا تُعْطُونِي مِنْهَا صَنَمًا فَأَسِيرُ به الى أرض العرب فيعبدونه. فَأَعْطَوْهُ صَنَمًا يُقَالَ لَهُ هُبَلُ فَقَدِمَ بِهِ مَكَّةَ فَنَصَبَهُ وَأَمَرَ النَّاسَ بِعِبَادَتِهِ وَتَعْظِيمِهِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَيَزْعُمُونَ أَنَّ أَوَّلَ مَا كَانَتْ عِبَادَةُ الْحِجَارَةِ فِي بَنِي إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ كَانَ لَا يَظْعَنُ مِنْ مَكَّةَ ظَاعِنٌ مِنْهُمْ حِينَ ضَاقَتْ عَلَيْهِمْ وَالْتَمَسُوا الْفُسَحَ فِي الْبِلَادِ إِلَّا حَمَلَ مَعَهُ حَجَرًا مِنْ حِجَارَةِ الحرم تعظيما للحرم، فحيث ما نَزَلُوا وَضَعُوهُ فَطَافُوا بِهِ كَطَوَافِهِمْ بِالْكَعْبَةِ حَتَّى سَلَخَ ذَلِكَ بِهِمْ إِلَى أَنْ كَانُوا يَعْبُدُونَ مَا اسْتَحْسَنُوا مِنَ الْحِجَارَةِ وَأَعْجَبَهُمْ حَتَّى خَلَفَتِ الخلوف ونسوا ما كانوا عليه.
وفي الصحيح عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ. قَالَ: كُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا لَمْ نَجِدْ حَجَرًا جَمَعْنَا حَثْيَةً مِنَ التُّرَابِ وَجِئْنَا بِالشَّاةِ فَحَلَبْنَاهَا عَلَيْهِ ثُمَّ طُفْنَا بِهَا.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَاسْتَبْدَلُوا بِدِينِ ابْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ غَيْرَهُ فَعَبَدُوا الْأَوْثَانَ وَصَارُوا إِلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْأُمَمُ قَبْلَهُمْ مِنَ الضَّلَالَاتِ وَفِيهِمْ عَلَى ذَلِكَ بَقَايَا مِنْ عَهْدِ ابْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَتَمَسَّكُونَ بِهَا مِنْ تَعْظِيمِ الْبَيْتِ وَالطَّوَافِ بِهِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالْوُقُوفِ عَلَى عَرَفَاتٍ وَالْمُزْدَلِفَةِ وَهَدْيِ الْبُدْنِ وَالْإِهْلَالِ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مَعَ إِدْخَالِهِمْ فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ. فكانت كنانة وقريش إذا هلوا قَالُوا: لَبَّيْكَ اللَّهمّ لَبَّيْكَ.
لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، إِلَّا شَرِيكًا هُوَ لَكَ، تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ. فَيُوَحِّدُونَهُ بِالتَّلْبِيَةِ ثُمَّ يُدْخِلُونَ مَعَهُ أَصْنَامَهُمْ وَيَجْعَلُونَ مِلْكَهَا بِيَدِهِ. يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) ١٢: ١٠٦ أَيْ مَا يُوَحِّدُونَنِي لِمَعْرِفَةِ حَقِّي إِلَّا جَعَلُوا مَعِي شَرِيكًا مِنْ خَلْقِي.
وَقَدْ ذَكَرَ السُّهَيْلِيُّ وَغَيْرُهُ: أَنَّ أَوَّلَ مَنْ لَبَّى هَذِهِ التَّلْبِيَةَ عَمْرُو بْنُ لُحَيٍّ وَأَنَّ ابْلِيسَ تَبَدَّى لَهُ فِي صُورَةِ شَيْخٍ فَجَعَلَ يُلَقِّنُهُ ذَلِكَ فَيَسْمَعُ مِنْهُ وَيَقُولُ كَمَا يَقُولُ وَاتَّبَعَهُ الْعَرَبُ فِي ذَلِكَ.
وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا سَمِعَهُمْ يَقُولُونَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ يَقُولُ: قَدْ قَدْ أَيْ حَسْبُ حَسْبُ. وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ ثنا إِسْحَاقُ بْنُ ابْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي حفص عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: إِنَّ أَوَّلَ مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِبَ وَعَبَدَ الْأَصْنَامَ، أبو خزاعة عمرو ابن عَامِرٍ وَإِنِّي رَأَيْتُهُ يَجُرُّ أَمْعَاءَهُ فِي النَّارِ. تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ عَمْرَو بْنَ لُحَيٍّ هُوَ أَبُو خُزَاعَةَ الَّذِي تُنْسَبُ إِلَيْهِ الْقَبِيلَةُ بِكَمَالِهَا كَمَا زَعَمَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَهْلِ النَّسَبِ فِيمَا حَكَاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ وَلَوْ تَرَكْنَا مُجَرَّدَ هَذَا لَكَانَ ظَاهِرًا فِي ذَلِكَ بَلْ كَالنَّصِّ وَلَكِنْ قَدْ جَاءَ مَا يُخَالِفُهُ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ فَقَالَ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ أَبُو الْيَمَانِ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ. قَالَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ: الْبَحِيرَةُ الَّتِي يُمْنَعُ دَرُّهَا لِلطَّوَاغِيتِ فَلَا يَحْلِبُهَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ- وَالسَّائِبَةُ- الَّتِي كَانُوا يَسُيِّبُونَهَا لِآلِهَتِهِمْ لَا يُحْمَلُ عَلَيْهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute