قَالَ أَبُو عُمَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالْمَعْنَى عِنْدَنَا فِي هَذَا غَيْرُ مَا ذَهَبُوا وَالْمُرَادُ أَنَّ مَنِ ادَّعَى إِحْصَاءَ بَنِي آدَمَ فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ الَّذِي خَلَقَهُمْ وَأَمَّا أَنْسَابُ الْعَرَبِ فَإِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ بِأَيَّامِهَا وَأَنْسَابِهَا قَدْ وَعَوْا وَحَفِظُوا جَمَاهِيرَهَا وَأُمَّهَاتِ قَبَائِلِهَا وَاخْتَلَفُوا فِي بَعْضِ فُرُوعِ ذَلِكَ.
قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَالَّذِي عَلَيْهِ أَئِمَّةُ هَذَا الشَّأْنِ فِي نَسَبِ عَدْنَانَ قَالُوا عَدْنَانُ بْنُ أُدَدَ بْنِ مُقَوَّمِ بْنِ ناحور ابن تَيْرَحَ بْنِ يَعْرُبَ بْنِ يَشْجُبَ بْنِ نَابِتِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ وَهَكَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارَ فِي السِّيرَةِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ عَدْنَانُ بْنُ أُدٍّ يَعْنِي عَدْنَانَ بْنِ أُدِّ بْنِ أُدَدَ ثُمَّ سَاقَ أَبُو عُمَرَ بَقِيَّةَ النَّسَبِ إِلَى آدَمَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي قِصَّةِ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَأَمَّا الْأَنْسَابُ إِلَى عَدْنَانَ مِنْ سَائِرِ قَبَائِلِ الْعَرَبِ فَمَحْفُوظَةٌ شَهِيرَةٌ جِدًّا لَا يَتَمَارَى فِيهَا اثْنَانِ وَالنَّسَبُ النَّبَوِيُّ إِلَيْهِ أَظْهَرُ وَأَوْضَحُ مِنْ فَلَقِ الصُّبْحِ وَقَدْ وَرَدَ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ بِالنَّصِّ عَلَيْهِ كَمَا سَنُورِدُهُ فِي مَوْضِعِهِ بَعْدَ الْكَلَامِ عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ وَذِكْرِ أَنْسَابِهَا وَانْتِظَامِهَا فِي سِلْكِ النَّسَبِ الشَّرِيفِ وَالْأَصْلِ الْمُنِيفِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَبِهِ الثِّقَةُ وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا باللَّه الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ. وَمَا أَحْسَنَ مَا نَظَمَ النَّسَبَ النَّبَوِيَّ الْإِمَامُ أَبُو الْعَبَّاسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاشِئُ فِي قَصِيدَتِهِ الْمَشْهُورَةِ الْمَنْسُوبَةِ إِلَيْهِ وَهِيَ قَوْلُهُ:
مَدَحْتُ رَسُولَ اللَّهِ أَبْغِي بِمَدْحِهِ ... وُفُورَ حُظُوظِي مِنْ كَرِيمِ الْمَآرِبِ
مَدَحْتُ امْرَأً فَاقَ [١] الْمَدِيحَ مُوَحَّدًا ... بِأَوْصَافِهِ عَنْ مُبْعِدٍ وَمُقَارِبِ
نِبِيًّا تَسَامَى فِي الْمَشَارِقِ نُورُهُ ... فَلَاحَتْ هَوَادِيهِ لِأَهْلِ الْمَغَارِبِ
أَتَتْنَا بِهِ الْأَنْبَاءُ قَبْلَ مَجِيئِهِ ... وَشَاعَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ فِي كُلِّ جَانِبِ
وَأَصْبَحَتِ الْكُهَّانُ تَهْتِفُ بِاسْمِهِ ... وَتَنْفِي بِهِ رَجْمَ الظُّنُونِ الْكَوَاذِبِ
وَأُنْطِقَتِ الْأَصْنَامُ نُطْقًا تَبَرَّأَتْ ... إِلَى اللَّهِ فِيهِ مِنْ مَقَالِ الْأَكَاذِبِ
وَقَالَتْ لِأَهْلِ الْكُفْرِ قَوْلًا مُبَيَّنًا ... أَتَاكُمْ نَبِيٌّ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ
وَرَامَ اسْتِرَاقَ السَّمْعِ جِنٌّ فَزَيَّلَتْ ... مَقَاعِدَهُمْ مِنْهَا رُجُومُ الْكَوَاكِبِ
هَدَانَا إِلَى مَا لَمْ نَكُنْ نَهْتَدِي لَهُ ... لِطُولِ الْعَمَى مِنْ وَاضِحَاتِ الْمَذَاهِبِ
وَجَاءَ بِآيَاتٍ تُبَيِّنُ أَنَّهَا ... دَلَائِلُ جَبَّارٍ مُثِيبٍ مُعَاقِبِ
فَمِنْهَا انْشِقَاقُ الْبَدْرِ حِينَ تَعَمَّمَتْ ... شُعُوبُ الضِّيَا مِنْهُ رُءُوسَ الْأَخَاشِبِ
وَمِنْهَا نُبُوعُ الْمَاءِ بَيْنَ بَنَانِهِ ... وَقَدْ عَدِمَ الْوُرَّادُ قُرْبَ الْمَشَارِبِ
فَرَّوَى بِهِ جَمًّا غَفِيرًا وَأَسْهَلَتْ ... بِأَعْنَاقِهِ طوعا أكف المذانب
[١] في نسخة الانباه المطبوعة: فات