رجل قدم من مكة اليوم يزعمون أنه نبي. قال سلمان فلما سمعتها أخذتني الرعدة حتى ظننت انى ساقط على سيدي فنزلت عن النخلة، فجعلت أقول لابن عمه ماذا تقول؟ ماذا تقول؟ قال فغضب سيدي فلكمني لكمة شديدة. ثم قال مالك ولهذا؟ أقبل على عملك، قال فقلت لا شيء إنما أردت أن أستثبته عما قال. قال وقد كان عندي شيء قد جمعته فلما أمسيت أخذته. ثم ذهبت به إلى رسول الله ﷺ وهو بقباء - فدخلت عليه فقلت له إنه قد بلغني أنك رجل صالح ومعك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة وهذا شيء كان عندي للصدقة، فرأيتكم أحق به من غيركم. قال فقربته اليه فقال رسول الله ﷺ لأصحابه «كلوا» وأمسك يده فلم يأكل، فقلت في نفسي هذه واحدة ثم انصرفت عنه فجمعت شيئا وتحول رسول الله ﷺ إلى المدينة. ثم جئته فقلت له إني قد رأيتك لا تأكل الصدقة وهذه هدية أكرمتك بها. قال فأكل رسول الله ﷺ منها وأمر أصحابه فأكلوا معه، قال فقلت في نفسي هاتان ثنتان. قال ثم جئت رسول الله ﷺ وهو ببقيع الغرقد قد تبع جنازة رجل من أصحابه وعليه شملتان وهو جالس في أصحابه فسلمت عليه. ثم استدبرته انظر إلى ظهره، هل أرى الخاتم الّذي وصف لي صاحبي؟ فلما رآني رسول الله ﷺ استدبرته عرف أنى أستثبت في شيء وصف لي. فألقى رداءه عن ظهره فنظرت الى الخاتم فعرفته، فأكببت عليه أقبله وأبكى فقال لي رسول الله ﷺ:«تحول» فتحولت بين يديه، فقصصت عليه حديثي كما حدثتك يا ابن عباس. فأعجب رسول الله ﷺ أن يسمع ذاك أصحابه. ثم شغل سلمان الرق حتى فاته مع رسول الله ﷺ بدر وأحد. قال سلمان: ثم قال لي رسول الله ﷺ«كاتب يا سلمان» فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخلة أحييها له بالفقير (١) وأربعين أوقية. فقال رسول الله ﷺ، لأصحابه «أعينوا أخاكم» فأعانوني في النخل: الرجل بثلاثين ودية، والرجل بعشرين ودية، والرجل بخمس عشرة ودية والرجل بعشرة. يعين الرجل بقدر ما عنده حتى اجتمعت لي ثلاثمائة ودية. فقال لي رسول الله ﷺ«اذهب يا سلمان ففقر لها، فإذا فرغت فائتنى أكن أنا أضعها بيدي». قال: ففقرت، وأعاننى أصحابى، حتى إذا فرغت جئته فأخبرته. فخرج رسول الله ﷺ معى اليها. فجعلنا نقرب اليه الودي، ويضعه رسول الله ﷺ بيده حتى إذا فرغنا فو الّذي نفس سلمان بيده ما ماتت منها ودية واحدة. فأديت النخل وبقي على المال. فأتى رسول الله ﷺ بمثل بيضة الدجاجة من ذهب من بعض المعادن. فقال «ما فعل الفارسي المكاتب؟» قال فدعيت له قال «خذ هذه فأدها مما عليك يا سلمان» قال قلت: وأين تقع هذه مما على يا رسول الله؟ قال «خذها فان الله سيؤدي بها عنك» قال فأخذتها فوزنت لهم منها - والّذي نفس سلمان بيده - أربعين أوقية، فأوفيتهم حقهم وعتق سلمان. فشهدت مع رسول الله ﷺ الخندق حرا ثم لم يفتنى معه مشهد.
(١) فقير النخلة: حفرة تحفر للفسيلة إذا حولت لتغرس فيها. من النهاية.