للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا الخلاف قريب * وقد أبهم الله ذكرها وتعيينها * ولو كان في ذكرها مصلحة تعود إلينا لعينها لنا كما في غيرها من المحال التي تبهم في القرآن * وانما الخلاف الّذي ذكروه في ان هذه الجنة التي دخلها آدم هل هي في السماء أو في الأرض هو الخلاف الّذي ينبغي فصله والخروج منه والجمهور على انها هي التي في السماء وهي جنة المأوى لظاهر الآيات والأحاديث كقوله تعالى ﴿وَقُلْنا يا آدَمُ اُسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ﴾ والالف واللام ليست للعموم ولا لمعهود لفظي وانما تعود على معهود ذهني وهو المستقر شرعا من جنة المأوى وكقول موسى لآدم (علام أخرجتنا ونفسك من الجنة) الحديث كما سيأتي الكلام عليه *

وروى مسلم في صحيحه من حديث أبى مالك الأشجعي واسمه سعد بن طارق عن أبى حازم سلمة بن دينار عن أبى هريرة * وأبو مالك عن ربعي عن حذيفة قالا قال رسول الله (يجمع الله الناس فيقوم المؤمنون حين تزلف لهم الجنة فيأتون آدم فيقولون يا أبانا استفتح لنا الجنة فيقول وهل أخرجكم من الجنة الا خطيئة أبيكم) وذكر الحديث بطوله * وهذا فيه قوة جيدة ظاهرة في الدلالة على انها جنة المأوى وليست تخلو عن نظر * وقال آخرون بل الجنة التي أسكنها آدم لم تكن جنة الخلد لانه كلف فيها ان لا يأكل من تلك الشجرة ولانه نام فيها وأخرج منها ودخل عليه إبليس فيها وهذا مما ينافي أن تكون جنة المأوى. وهذا القول محكي عن أبى بن كعب وعبد الله بن عباس ووهب بن منبه وسفيان بن عيينة واختاره ابن قتيبة في المعارف والقاضي منذر بن سعيد البلوطي في تفسيره وأفرد له مصنفا على حدة. وحكاه عن أبى حنيفة الامام وأصحابه . ونقله أبو عبد الله محمد بن عمر الرازيّ بن خطيب الرىّ في تفسيره عن أبى القاسم البلخي وأبى مسلم الأصبهاني. ونقله القرطبي في تفسيره عن المعتزلة والقدرية * وهذا القول هو نص التوراة التي بأيدي أهل الكتاب * وممن حكى الخلاف في هذه المسألة أبو محمد بن حزم في الملل والنحل وأبو محمد بن عطية في تفسيره وابو عيسى الرماني في تفسيره * وحكى عن الجمهور الأول. وابو القاسم الراغب والقاضي الماوردي في تفسيره فقال واختلف في الجنة التي أسكناها يعنى آدم وحواء على قولين * أحدهما انها جنة الخلد * الثاني جنة أعدها الله لهما وجعلها دار ابتلاء وليست جنة الخلد التي جعلها دار جزاء. ومن قال بهذا اختلفوا على قولين * أحدهما انها في السماء لانه أهبطهما منها وهذا قول الحسن * والثاني أنها في الأرض لانه امتحنهما فيها بالنهى عن الشجرة التي نهيا عنها دون غيرها من الثمار. وهكذا قول ابن يحيى وكان ذلك بعد أن أمر إبليس بالسجود لآدم والله أعلم بالصواب من ذلك * هذا كلامه. فقد تضمن كلامه حكاية أقوال ثلاثة وأشعر كلامه أنه متوقف في المسألة. ولقد حكى

<<  <  ج: ص:  >  >>