أبو عبد الله الرازيّ في تفسيره في هذه المسألة أربعة أقوال هذه الثلاثة التي أوردها الماوردي. ورابعها الوقف * وحكى القول بأنها في السماء وليست جنة المأوى عن ابى على الجبائي. وقد أورد أصحاب القول الثاني سؤالا يحتاج مثله الى جواب فقالوا لا شك أن الله ﷾ طرد إبليس حين امتنع من السجود عن الحضرة الإلهية وأمره بالخروج عنها والهبوط منها وهذا الأمر ليس من الأوامر الشرعية بحيث يمكن مخالفته وانما هو امر قدري لا يخالف ولا يمانع ولهذا قال ﴿اُخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً﴾ وقال ﴿فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها﴾ وقال ﴿فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ﴾ والضمير عائد الى الجنة أو السماء أو المنزلة وأياما كان فمعلوم أنه ليس له الكون قدرا في المكان الّذي طرد عنه وأبعد منه لا على سبيل الاستقرار ولا على سبيل المرور والاجتياز * قالوا ومعلوم من ظاهر سياقات القرآن أنه وسوس لآدم وخاطبه بقوله له ﴿هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى﴾ وبقوله ﴿ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ. أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ * وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النّاصِحِينَ * فَدَلاّهُما بِغُرُورٍ﴾ الآية وهذا ظاهر في اجتماعه معهما في جنتهما. وقد أجيبوا عن هذا بانه لا يمتنع أن يجتمع بهما في الجنة على سبيل المرور فيها لا على سبيل الاستقرار بها أو أنه وسوس لهما وهو على باب الجنة أو من تحت السماء. وفي الثلاثة نظر. والله أعلم.
ومما احتج به أصحاب هذه المقالة ما رواه عبد الله بن الامام احمد في الزيادات عن هدبة بن خالد عن حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن البصري عن يحيى بن ضمرة السعدي عن أبى بن كعب قال (ان آدم لما احتضر اشتهى قطفا من عنب الجنة. فانطلق بنوه ليطلبوه له. فلقيتهم الملائكة فقالوا اين تريدون يا بنى آدم فقالوا إن أبانا اشتهى قطفا من عنب الجنة. فقالوا لهم (ارجعوا فقد كفيتموه) فانتهوا اليه فقبضوا روحه وغسلوه وحنطوه وكفنوه وصلى عليه جبريل ومن خلفه من الملائكة ودفنوه. وقالوا.
(هذه سنتكم في موتاكم) وسيأتي الحديث بسنده. وتمام لفظه عند ذكر وفاة آدم ﵇. قالوا فلولا انه كان الوصول الى الجنة التي كان فيها آدم التي اشتهى منها القطف ممكنا لما ذهبوا يطلبون ذلك فدل على أنها في الأرض لا في السماء والله تعالى أعلم * قالوا والاحتجاج بان الألف واللام في قوله و ﴿يا آدَمُ اُسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ﴾ لم يتقدم عهد يعود عليه فهو المعهود الذهني مسلم ولكن هو ما دل عليه سياق الكلام فان آدم خلق من الأرض ولم ينقل أنه رفع الى السماء وخلق ليكون في الأرض وبهذا اعلم الرب الملائكة حيث قال ﴿إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ قالوا وهذا كقوله تعالى ﴿إِنّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ﴾ فالألف واللام ليس للعموم ولم يتقدم معهود لفظي وانما هي للمعهود الذهني الّذي دل عليه السياق وهو البستان.
قالوا وذكر الهبوط لا يدل على النزول من السماء قال الله تعالى ﴿قِيلَ يا نُوحُ اِهْبِطْ بِسَلامٍ مِنّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ﴾ الآية وانما كان في السفينة حين استقر على الجودي ونضب الماء