عن وجه الأرض أمر أن يهبط اليها هو ومن معه مباركا عليه وعليهم. وقال الله تعالى ﴿اِهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ﴾ الآية وقال تعالى ﴿وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ﴾ الآية. وفي الأحاديث واللغة من هذا كثير * قالوا ولا مانع بل هو الواقع أن الجنة التي أسكنها آدم كانت مرتفعة عن سائر بقاع الأرض ذات أشجار وثمار وظلال ونعيم ونضرة وسرور كما قال تعالى ﴿إِنَّ لَكَ أَلاّ تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى﴾ أي لا يذل باطنك بالجوع ولا ظاهرك بالعرى ﴿وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى﴾ أي لا يمس باطنك حر الظمأ ولا ظاهرك حر الشمس. ولهذا قرن بين هذا وهذا وبين هذا وهذا لما بينهما من الملاءمة. فلما كان منه ما كان من اكله من الشجرة التي نهى عنها اهبط الى ارض الشقاء والتعب والنصب والكدر والسعي والنكد والابتلاء والاختبار والامتحان واختلاف السكان دينا وأخلاقا وأعمالا وقصودا وإرادات وأقوالا وافعالا كما قال تعالى ﴿وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ﴾ ولا يلزم من هذا أنهم كانوا في السماء كما قال تعالى ﴿وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اُسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً﴾ ومعلوم انهم كانوا فيها لم يكونوا في السماء.
قالوا وليس هذا القول مفرعا على قول من ينكر وجود الجنة والنار اليوم ولا تلازم بينهما فكل من حكى عنه هذا القول من السلف وأكثر الخلف ممن يثبت وجود الجنة والنار اليوم كما دلت عليه الآيات والأحاديث الصحاح كما سيأتي إيرادها في موضعها والله ﷾ أعلم بالصواب * وقوله تعالى ﴿فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها﴾ اى عن الجنة ﴿فَأَخْرَجَهُما مِمّا كانا فِيهِ﴾ أي من النعيم والنضرة والسرور الى دار التعب والكد والنكد وذلك بما وسوس لهما وزينه في صدورهما كما قال تعالى ﴿فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما. وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ﴾ يقول ما نهاكما عن أكل هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين أي ولو أكلتما منها لصرتما كذلك ﴿وَقاسَمَهُما﴾ أي حلف لهما على ذلك ﴿إِنِّي لَكُما لَمِنَ النّاصِحِينَ﴾ كما قال في الآية الأخرى ﴿فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى﴾ اى هل أدلك على الشجرة التي إذا أكلت منها حصل لك الخلد فيما أنت فيه من النعيم واستمررت في ملك لا يبيد ولا ينقضي وهذا من التغرير والتزوير والاخبار بخلاف الواقع * والمقصود أن قوله شجرة الخلد التي إذا اكلت منها خلدت وقد تكون هي الشجرة التي
قال الامام أحمد حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا شعبة عن أبى الضحاك سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله ﷺ(ان في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها شجرة الخلد) * وكذا رواه أيضا عن غندر (وحجاج عن شعبة ورواه أبو داود الطيالسي في مسندة عن شعبة أيضا به *