للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فقال : «أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنى رسول الله، وأن تؤوونى وتنصروني حتى أؤدى عن الله الّذي أمرنى به، فان قريشا قد تظاهرت على أمر الله وكذبت رسوله واستغنت بالباطل عن الحق والله هو الغنى الحميد». قال له وإلى ما تدعو أيضا يا أخا قريش؟ فتلا رسول الله ﴿قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً﴾ إلى قوله ﴿ذلِكُمْ وَصّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ فقال له مفروق: وإلى ما تدعو أيضا يا أخا قريش؟ فو الله ما هذا من كلام أهل الأرض، ولو كان من كلامهم لعرفناه، فتلا رسول الله ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ فقال له مفروق: دعوت والله يا أخا قريش إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، ولقد أفك قوم كذبوك وظاهروا عليك، وكأنه أحب أن يشركه في الكلام هانئ بن قبيصة فقال: وهذا هانئ بن قبيصة شيخنا وصاحب ديننا. فقال له هانئ: قد سمعت مقالتك يا أخا قريش وصدقت قولك، وإني أرى أن تركنا ديننا واتباعنا إياك على دينك لمجلس جلسته إلينا ليس له أول ولا آخر لم نتفكر في أمرك، وننظر في عاقبة ما تدعو اليه زلة في الرأى، وطيشة في العقل، وقلة نظر في العاقبة وإنما تكون الزلة مع العجلة، وإن من ورائنا قوما نكره أن نعقد عليهم عقدا. ولكن ترجع ونرجع وتنظر وننظر، وكأنه أحب أن يشركه في الكلام المثنى بن حارثة فقال: وهذا المثنى شيخنا وصاحب حربنا. فقال المثنى: قد سمعت مقالتك واستحسنت قولك يا أخا قريش، وأعجبنى ما تكلمت به. والجواب هو جواب هانئ بن قبيصة وتركنا ديننا واتباعنا إياك لمجلس جلسته إلينا وإنا إنما نزلنا بين صريين أحدهما اليمامة، والآخر السماوة. فقال له رسول الله وما هذان الصريان؟ فقال له أما أحدهما فطفوف البر وأرض العرب، وأما الآخر فارض فارس وأنهار كسرى وإنما نزلنا على عهد أخذه علينا كسرى أن لا نحدث حدثا، ولا نؤوى محدثا. ولعل هذا الأمر الّذي تدعونا اليه مما تكرهه الملوك، فاما ما كان مما يلي بلاد العرب فذنب صاحبه مغفور، وعذره مقبول، وأما ما كان يلي بلاد فارس فذنب صاحبه غير مغفور، وعذره غير مقبول. فان أردت أن ننصرك ونمنعك مما يلي العرب فعلنا. (١) فقال رسول الله ؟ ما أسأتم الرد إذ أفصحتم بالصدق إنه لا يقوم بدين الله الا من حاطه من جميع جوانبه». ثم قال رسول الله : «أرأيتم ان لم تلبثوا إلا يسيرا حتى يمنحكم الله بلادهم وأموالهم ويفرشكم بناتهم أتسبحون الله وتقدسونه؟» فقال له النعمان ابن شريك: اللهمّ وإن ذلك لك يا أخا قريش! فتلا رسول الله ﴿إِنّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَداعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً﴾ ثم نهض رسول الله قابضا على يدي أبى بكر. قال


(١) كذا في الأصل، وفي السهيليّ اختلاف وزيادة عن هذه العبارة لا تخرج عن معناها.

<<  <  ج: ص:  >  >>