للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

على ثم التفت إلينا رسول فقال: «يا على أية (١) أخلاق للعرب كانت في الجاهلية - ما أشرفها - بها يتحاجزون في الحياة الدنيا». قال ثم دفعنا الى مجلس الأوس والخزرج، فما نهضنا حتى بايعوا النبي . قال على: وكانوا صدقاء صبراء فسر رسول الله من معرفة أبى بكر بانسابهم. قال فلم يلبث رسول الله الا يسيرا حتى خرج الى أصحابه فقال لهم:

«احمدوا الله كثيرا فقد ظفرت اليوم أبناء ربيعة بأهل فارس، قتلوا ملوكهم واستباحوا عسكرهم وبى نصروا». قال وكانت الوقعة بقراقر الى جنب ذي قار وفيها يقول الأعشى:

فدى لبني ذهل بن شيبان ناقتي … وراكبها عند اللقاء وقلّت

هموا ضربوا بالحنو حنو قراقر … مقدمة الهامرز حتى تولت

فلله عينا من رأى من فوارس (٢) … كذهل بن شيبان بها حين ولت

فثاروا وثرنا والمودة بيننا … وكانت علينا غمرة فتجلت

هذا حديث غريب جدا كتبناه لما فيه من دلائل النبوة ومحاسن الأخلاق ومكارم الشيم وفصاحة العرب وقد ورد هذا من طريق أخرى وفيه أنهم لما تحاربوا هم وفارس والتقوا معهم بقراقر - مكان قريب من الفرات - جعلوا شعارهم اسم محمد فنصروا على فارس بذلك، وقد دخلوا بعد ذلك في الإسلام.

وقال الواقدي: أخبرنا عبد الله بن وابصة العبسيّ عن أبيه عن جده قال: جاءنا رسول الله في منازلنا بمنى ونحن نازلون بإزاء الجمرة الاولى التي تلى مسجد الخيف وهو على راحلته مرد فاخلفه زيد بن حارثة، فدعانا فو الله ما استجبنا له ولا خيّر لنا، قال وقد كنا سمعنا به وبدعائه في المواسم، فوقف علينا يدعونا فلم نستجب له، وكان معنا ميسرة بن مسروق العبسيّ. فقال لنا: أحلف بالله لو قد صدقنا هذا الرجل وحملناه حتى نحل به وسط بلادنا لكان الرأى. فأحلف بالله ليظرن أمره حتى يبلغ كل مبلغ. فقال القوم دعنا منك لا تعرضنا لما لا قبل لنا به. وطمع رسول لله في ميسرة فكلمه فقال ميسرة: ما أحسن كلامك وأنوره، ولكن قومي يخالفوننى وإنما الرجل بقومه فإذا لم يعضدوه فالعدى (٣) أبعد فانصرف رسول الله وخرج القوم صادرين إلى أهليهم.


(١) كذا في السهيليّ وفي الأصل: أبت أخلاق في الجاهلية ما أشرفها إلخ.
(٢) هذا البيت والّذي بعده لم نجدهما في ديوانه ولا في المراجع التي لدينا وكان في الأصل هكذا:
فيه عينا من رأى من فوارس … كذهل بن شيبان حتى ولت
(٣) العدي بالكسر: الغرباء والأجانب والأعداء، وبالضم: الأعداء خاصة. من النهاية.

<<  <  ج: ص:  >  >>