نفسه على رسول الله ﷺ ليصحبه في الطريق كما قدمنا ثم خرجا على الوجه الّذي تقدم بسطه وتأخر على بن أبى طالب بعد النبي ﷺ بأمره ليؤدى ما كان عنده ﵇ من الودائع ثم لحقهم بقباء فقدم رسول الله ﷺ يوم الاثنين قريبا من الزوال وقد اشتد الضحاء (١).
قال الواقدي وغيره: وذلك لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول. وحكاه ابن إسحاق إلا أنه لم يعرج عليه ورجح أنه لثنتى عشرة ليلة خلت منه، وهذا هو المشهور الّذي عليه الجمهور. وقد كانت مدة إقامته ﵇ بمكة بعد البعثة ثلاث عشرة سنة في أصح الأقوال، وهو رواية حماد بن سلمة عن أبى حمزة الضبيّ عن ابن عباس. قال: بعث رسول الله ﷺ لأربعين سنة، وأقام بمكة ثلاث عشرة سنة. وهكذا روى ابن جرير عن محمد بن معمر عن روح بن عبادة عن زكريا بن إسحاق عن عمرو بن دينار عن ابن عباس أنه قال: مكث رسول الله ﷺ بمكة ثلاث عشرة.
وتقدم أن ابن عباس كتب أبيات صرمة بن أبى أنس بن قيس:
ثوى في قريش بضع عشرة حجة … يذكر لو يلقى صديقا مواتيا
وقال الواقدي عن إبراهيم بن إسماعيل عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس أنه استشهد بقول صرمة:
ثوى في قريش بضع عشرة حجة … يذكر لو يلقى صديقا مواتيا
وهكذا رواه ابن جرير عن الحارث عن محمد بن سعد عن الواقدي خمس عشرة حجة، وهو قول غريب جدا، وأغرب منه ما قال ابن جرير: حدثت عن روح بن عبادة ثنا سعيد عن قتادة قال: نزل القرآن على رسول الله ﷺ ثماني سنين بمكة، وعشرا بالمدينة. وكان الحسن يقول:
عشرا بمكة، وعشرا بالمدينة، وهكذا القول الآخر الّذي ذهب اليه الحسن البصري من أنه أقام بمكة عشر سنين ذهب اليه أنس بن مالك وعائشة وسعيد بن المسيب وعمرو بن دينار فيما رواه ابن جرير عنهم، وهو رواية عن ابن عباس رواها احمد بن حنبل عن يحيى بن سعيد عن هشام عن عكرمة عن ابن عباس. قال: أنزل على النبي ﷺ وهو ابن ثلاث وأربعين، فمكث بمكة عشرا وقد قدمناه عن الشعبي أنه قال: قرن إسرافيل برسول الله ﷺ ثلاث سنين يلقى اليه الكلمة والشيء وفي رواية يسمع حسه ولا يرى شخصه، ثم كان بعد ذلك جبريل. وقد حكى الواقدي عن بعض مشايخه أنه أنكر قول الشعبي هذا، وحاول ابن جرير أن يجمع بين قول من قال إنه ﵇ أقام بمكة عشرا، وقول من قال ثلاث عشرة بهذا الّذي ذكره الشعبي والله أعلم.
(١) الضحاء قريبا من نصف النهار، والضحوة ارتفاع أول النهار، والضحى ما بين ذلك.