للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صلاة العصر حتى تأتوا بنى قريظة، فغربت الشمس قبل أن يأتوهم، فقالت طائفة من المسلمين: ان رسول الله لم يرد أن تدعوا الصلاة فصلوا، وقالت طائفة: والله إنا لفي عزيمة رسول الله وما علينا من إثم، فصلت طائفة إيمانا واحتسابا وتركت طائفة ايمانا واحتسابا ولم يعنف رسول الله واحدا من الفريقين. وخرج رسول الله فمرّ بمجالس بينه وبين بنى قريظة فقال هل مرّ بكم أحد؟ فقالوا مرّ علينا دحية الكلبي على بغلة شهباء تحته قطيفة ديباج، فقال:

ذلك جبريل أرسل الى بنى قريظة ليزلزلهم ويقذف في قلوبهم الرعب فحاصرهم النبي وأمر أصحابه أن يستروه بالجحف حتى يسمع كلامهم، فناداهم يا اخوة القردة والخنازير. فقالوا: يا أبا القاسم لم تكن فحاشا، فحاصرهم حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ وكانوا حلفاءه فحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم ونساؤهم. ولهذا الحديث طرق جيدة عن عائشة وغيرها. وقد اختلف العلماء في المصيب من الصحابة يومئذ من هو؟ بل الإجماع على أن كلا من الفريقين مأجور ومعذور غير معنف. فقالت طائفة من العلماء: الذين أخّروا الصلاة يومئذ عن وقتها المقدر لها حتى صلوها في بنى قريظة هم المصيبون، لان أمرهم يومئذ بتأخير الصلاة خاص فيقدم على عموم الأمر بها في وقتها المقدر لها شرعا. قال أبو محمد بن حزم الظاهري في كتاب السيرة: وعلم الله أنا لو كنا هناك لم نصلّ العصر إلا في بنى قريظة ولو بعد أيام. وهذا القول منه ماش على قاعدته الأصلية في الأخذ بالظاهر. وقالت طائفة أخرى من العلماء: بل الذين صلوا الصلاة في وقتها لما أدركتهم وهم في مسيرهم هم المصيبون لانهم فهموا أن المراد انما هو تعجيل السير الى بنى قريظة لا تأخير الصلاة فعملوا بمقتضى الادلة الدالة على أفضلية الصلاة في أول وقتها مع فهمهم عن الشارع ما أراد، ولهذا لم يعنفهم ولم يأمرهم بإعادة الصلاة في وقتها التي حولت اليه يومئذ كما يدعيه أولئك، وأما أولئك الذين أخّروا فعذروا بحسب ما فهموا، وأكثر ما كانوا يؤمرون بالقضاء وقد فعلوه. وأما على قول من يجوّز تأخير الصلاة لعذر القتال كما فهمه البخاري حيث احتج على ذلك بحديث ابن عمر المتقدم في هذا فلا إشكال على من أخّر ولا على من قدّم أيضا والله أعلم ثم قال ابن إسحاق: وقدّم رسول الله عليّ بن أبى طالب ومعه رايته وابتدرها الناس.

وقال موسى بن عقبة في مغازيه عن الزهري: فبينما رسول الله في مغتسله كما يزعمون قد رجّل أحد شقيه أتاه جبريل على فرس عليه لأمته حتى وقف بباب المسجد عند موضع الجنائز فخرج اليه رسول الله فقال له جبريل: غفر الله لك أو قد وضعت السلاح؟ قال نعم. فقال جبريل:

لكنا لم نضعه منذ نزل بك العدوّ وما زلت في طلبهم حتى هزمهم الله - ويقولون ان على وجه جبريل لأثر الغبار - فقال له جبريل: ان الله قد أمرك بقتال بنى قريظة فأنا عامد اليهم بمن معي

<<  <  ج: ص:  >  >>