يحتمل شيئين أحدهما أنه رآه يسعى في وقت ماشيا لم يمزجه برمل فيه بالكلية، والثاني أنه رآه يسعى في بعض الطريق ويمشى في بعضه، وهذا له قوة لأنه قد روى البخاري ومسلم من حديث عبيد الله بن عمر العمرى عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله ﷺ كان يسعى بطن المسيل إذا طاف بين الصفا والمروة. وتقدم في حديث جابر أنه ﵇: نزل من الصفا فلما انصبت قدماه في الوادي رمل حتى إذا صعد مشى حتى أتى المروة وهذا هو الّذي تستحبه العلماء قاطبة أن الساعي بين الصفا والمروة - وتقدم في حديث جابر - يستحب له أن يرمل في بطن الوادي في كل طوافه في بطن المسيل الّذي بينهما وحددوا ذلك بما بين الأميال الخضر فواحد مفرد من ناحية الصفا مما يلي المسجد واثنان مجتمعان من ناحية المروة مما يلي المسجد أيضا. وقال بعض العلماء ما بين هذه الأميال اليوم أوسع من بطن المسيل الّذي رمل فيه رسول الله ﷺ فالله اعلم: وأما قول محمد بن حزم في الكتاب الّذي جمعه في حجة الوداع ثم خرج ﵇ إلى الصفا فقرأ إن الصفا والمروة من شعائر الله، أبدأ بما بدأ الله به فطاف بين الصفا والمروة أيضا سبعا راكبا على بعير يخب ثلاثا ويمشى أربعا فإنه لم يتابع على هذا القول ولم يتفوه به أحد قبله من أنه ﵇ خب ثلاثة أشواط بين الصفا والمروة ومشى أربعا ثم مع هذا الغلط الفاحش لم يذكر عليه دليلا بالكلية بل لما انتهى إلى موضع الاستدلال عليه قال ولم نجد عدد الرمل بين الصفا والمروة منصوصا ولكنه متفق عليه هذا لفظه. فان أراد بأن الرمل في الثلاث التطوافات الأول على ما ذكر متفق عليه فليس بصحيح بل لم يقله أحد، وان أراد أن الرمل في الثلاث الأول في الجملة متفق عليه فلا يجدي له شيئا ولا يحصل له شيئا مقصودا، فإنهم كما اتفقوا على الرمل في الثلاث الأول في بعضها على ما ذكرناه كذلك اتفقوا على استحبابه في الأربع الأخر أيضا. فتخصيص ابن حزم الثلاث الأول باستحباب الرمل فيها مخالف لما ذكره العلماء والله اعلم. وأما قول ابن حزم انه ﵇ كان راكبا بين الصفا والمروة فقد تقدم عن ابن عمر أن رسول الله ﷺ كان يسعى بطن المسيل أخرجاه وللترمذي عنه إن أسعى فقد رأيت رسول الله يسعى وإن مشيت فقد رأيت رسول الله يمشى. وقال جابر: فلما انصبت قدماه في الوادي رمل حتى إذا صعد مشى رواه مسلم. وقالت حبيبة بنت أبى مجزأة يسعى يدور به إزاره من شدة السعي رواه احمد. وفي صحيح مسلم عن جابر كما تقدم أنه رقى على الصفا حتى رأى البيت.
وكذلك على المروة. وقد قدمنا من حديث محمد بن إسحاق عن أبى جعفر الباقر عن جابر أن رسول الله ﷺ أناخ بعيره على باب المسجد يعنى حتى طاف ثم لم يذكر أنه ركبه حال ما خرج الى الصفا وهذا كله مما يقتضي أنه ﵇ سعى بين الصفا والمروة ماشيا ولكن قال مسلم ثنا عبد بن حميد ثنا محمد - يعنى ابن بكر - انا ابن جريج أخبرنى أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول طاف